تلوح نذر أزمة حادة داخل القيادة الجماعية في حزب الأصالة والمعاصرة، ثاني قوة سياسية في الائتلاف الحكومي الحالي في المغرب، بعد قرار مكتبه السياسي بإجماع أعضائه تجميد عضوية القيادي صلاح الدين أبو الغالي من المكتب السياسي والقيادة الجماعية للحزب، وإحالته على لجنة الأخلاقيات.
وأعلن حزب الأصالة والمعاصرة المغربي، اليوم الأربعاء، أن قرار المكتب السياسي بحق عضو القيادة الثلاثية للحزب، جاء على خلفية تقرير تنظيمي مفصل تضمن شكايات خاصة لا علاقة لها بالمال العام، تتهم صلاح الدين أبو الغالي عضو المكتب السياسي والقيادة الجماعية للحزب بشبهة ارتكاب خروقات للنظام الأساسي للحزب وتمس بقيمه. وقال المكتب السياسي للحزب المعروف اختصارا بـ”بام”، في بيان له، إن هذه الخروق “تخالف ميثاق الأخلاقيات الذي صادق عليه الحزب”.
وكان أبو الغالي قد تم انتخابه خلال المؤتمر الوطني الخامس للحزب المنعقد بمدينة بوزنيقة، في شهر فبراير الماضي، ضمن قيادة ثلاثية مشتركة بينه وبين كل من فاطمة الزهراء المنصوري، ومحمد المهدي بنسعيد، لقيادة الحزب في مرحلة ما بعد التخلص من الأمين العام السابق عبد اللطيف وهبي. فيما أعلن عن اختيار المنصوري منسقة وطنية للحزب.
وعد انتخاب القيادة الثلاثية سابقة في المشهد السياسي بالبلاد، وفي تاريخ حزب الأصالة والمعاصرة الذي أعلن عن ميلاده في أغسطس 2008 لمواجهة الإسلاميين. في حين رأى فيه بعض المحللين “تعبيرا عن المأزق والأزمة اللذين يعيشهما الحزب في التوافق حول قيادة المرحلة المقبلة”.
وفي أول ردّ له على قرار تجميد عضويته، اتهم أبو الغالي، المنسقة الوطنية لحزب الأصالة والمعاصرة فاطمة الزهراء المنصوري، بتحويل الحزب إلى “ضيعة خاصة تتصرف فيها حسب الأهواء”، والاستقواء بـ”جهات عليا” وبـ”الفوق”، مستنكرا تجميد عضويته، ومؤكدا أنه سيمارس صلاحياته كاملة وسيحضر أشغال المكتب السياسي كلما انعقد.
وقال في بيان له، إنه “فوجئ لحدّ الصدمة والذهول”، بما وصفه بـ”السلوك التحكمي” لعضوة القيادة الجماعية للأمانة العامة للحزب التي “أضحى تدبيرها التنظيمي والسياسي وكأن حزب الأصالة والمعاصرة ضيعة خاصة تتصرف فيها حسب الأهواء، بعيدا عن القيم النبيلة التي آمنا بها، والتي شدد عليها الملك محمد السادس، في برقية التهنئة باختتام المؤتمر الوطني الخامس للحزب”.
وأعلن أبو الغالي أن المكتب السياسي ليس هو المكان الأصح لحل المشاكل التجارية الخاصة، فالمكتب السياسي ليس تاجرا ولا قاضيا ولا وسيطا ولا سمسارا يريد تغليب كفة تاجر على كفة تاجر آخر منافس، مبرزا أن المكتب السیاسي هيئة تنفيذية تترأسها القيادية الجماعية للأمانة العامة للحزب، وهي مكلفة بتنفيذ سیاسة الحزب وقراراته كما حددھا المؤتمر الوطني والمجلس الوطني، والتي لا علاقة لها بالخلافات التجارية بين أعضاء الحزب.
ومنذ أشهر، يمر الحزب بواحدة من أسوأ مراحله جراء اعتقال اثنين من قيادييه البارزين في الملف المعروف إعلاميا بـ”إسكوبار الصحراء”، وهما سعيد الناصري رئيس مجلس عمالات الدار البيضاء، وعبد النبي بعيوي رئيس جهة الشرق. وإلى جانب الناصيري وبعيوي المتابعين بتهم جنائية في ملف البارون المالي، هناك برلمانيون ومنتخبون في صفوف الحزب تطاردهم قضايا فساد وتبديد أموال عمومية.
إلى ذلك، اعتبر أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، رشيد لزرق، في حديث مع “العربي الجديد”، أن قرار المكتب السياسي لـ”بام”، تجميد عضوية أبو الغالي من القيادة الجماعية على خلفية شبهات في أعماله الخاصة، يوضح المخاض الذي يعرفه الحزب بعد تورط أعضائه في ملف “إسكوبار الصحراء” والذي يبدو أن تداعياته لم تنته إلى حد الساعة.
وأوضح أن القرار الذي يأتي في وقت يعتبر فيه أبو الغالي مرشحًا للاستوزار في التعديل الحكومي المنتظر، يوضح أن هناك تطاحنات كبرى داخل الحزب وحروبا تنظيمية لا زالت لم تكشف، خاصة أن المعني بالتجميد يعتبر من القيادة الثلاثية التي جاء بها المؤتمر في صيغة فضفاضة توضح عدم قدرة فاطمة الزهراء المنصوري على تحمل المسؤولية السياسية لوحدها بعد تداعيات فضيحة “إسكوبار الصحراء”.
واعتبر أن تمسك أبو الغالي بالقول بأن قرار تجميد عضويته جاء على خلفية خلافاته مع فاطمة الزهراء المنصوري، وتأكيده أن أصل المشكلة هو “خلاف تجاري بين اثنين من المتعاملين”، يوضحان أن حزب الأصالة والمعاصرة تحول من “مؤسسة حزبية إلى مجموعة لتدبير المصالح”.
وتابع: “هذه المصالح تضاربت في وقت التوجه العام نحو إصلاح سياسي يعيد للأدوات الحزبية دورها الأصيل. والحال أن وضع حزب الأصالة والمعاصرة يكشف أنه مركب مصلحي ويبتعد عن مفهوم الحزب كما هو متعارف عليه، في وقت يتحدث الجميع على ضرورة إصلاح سياسي يعيد للعمل الحزبي نبله”. وذهب لزرق إلى أن القيادة الثلاثية هي تجميع للمصالح أكثر منها قيادة لحزب سياسي بمشروع سياسي، معتبرا أن ذلك يؤشر على أن الأمر ستكون له تداعيات كبرى لن تقف عند حزب الأصالة والمعاصرة.
من جهته، اعتبر الباحث في العلوم السياسية، حفيظ الزهري، أن الخلاف الذي طفا على السطح بعد تجميد عضو القيادة الثلاثية، هو خلاف شخصي أكثر مما هو خلاف سياسي أو أيديولوجي، موضحا أن مشهد الخلافات الشخصية بين القيادات الحزبية أصبح أمرا عاديا داخل المشهد السياسي المغربي.
ورأى، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن هذا الواقع المتمثل في الخلط بين الخلافات الشخصية والممارسة السياسية يسيء إلى المشهد الحزبي المغربي، وينعكس سلبا على نظرة المواطن للأحزاب السياسية، كما يسهم في العزوف عن الممارسة الحزبية وتعميق الأزمة بين المواطنين والأحزاب.
وفيما تطرح أسئلة عدة حول انعكاسات ما يعيشه رأس الحزب من أزمة على مستقبله، قال الزهري: “صحيح أن الأصالة والمعاصرة هو حزب استثنائي كما عودنا على ذلك بتحديد قيادته كل أربع سنوات، لكن في هذه المرة، تعرضت القيادة الجديدة للحزب لحادثة سير سياسية في وقت هو مقبل فيه على الاستعداد لمحطة انتخابية مهمة لا سيما تشريعيات 2026″، مشيرا إلى أن “هذه الحادثة لن تضعف بشكل كبير قوته العددية داخل المشهد الحزبي، ولن نكون أمام حصول انشقاق أو انسحاب جماعي لأن القيادي المعني بتجميد عضويته لا يمتلك القوة السياسية التي تؤدي إلى حدوث ذلك”.
المصدر : ونا