أمام أعين وكاميرات هواتف المارة أقدم مواطن إيطالي على ضرب مهاجر نيجيري حتى الموت، من دون أن يتدخل أحد لإنقاذ المهاجر، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، حتى فارق الحياة أمام الجميع
هذا الاعتداء -الذي وُصف “بالوحشي”- وقع الجمعة الماضي في شارع تسوق رئيسي في بلدة “تشيفيتانوفا ماركي” التي تقع على ساحل البحر الأدرياتيكي، واستمر أكثر من 4 دقائق.
وحسب ما أوردته الصحف والمواقع الإيطالية والأجنبية، وما نشر على مواقع التواصل مصحوبا بالفيديو الذي يوثق الحادث، الذي أعيد نشره آلاف المرات؛ فقد قُتل المهاجر النيجيري ليكا أوغورشوكو (39 عاما) بعدما تعرض للضرب من قبل مواطن إيطالي بالعكاز حتى الموت، في وقت بقي فيه شهود عيان يشاهدون الواقعة من دون أن يتدخل أحد.
“إنه أمر مخز”، هكذا وصف باتريك جوباديا نائب سكرتير جمعية تمثل النيجيريين في إيطاليا الحادث، مضيفا “لندين الحقيقة نفسها وسلوك الأشخاص الذين وقفوا متفرجين وشاهدوا شخصا معوقا يُقتل بعكازه واكتفوا بالتصوير” بدل التدخل.
وكتب إنريكو ليتا رئيس الوزراء السابق ورئيس الحزب الديمقراطي اليساري على تويتر السبت الماضي معلقا على الحادث “انتشار اللامبالاة، لا يمكن أن يكون هناك مبرر”.
وبغض النظر عن أسباب الاعتداء وملابساته التي وصفها بيان للشرطة الإيطالية بأنها “ربما تكون تافهة”؛ تثار علامات الاستفهام والاستنكار. فكيف يمكن تفسير سلوك اللامبالاة من جانب المارة الذين شاهدوا الحادث من دون أن يحرك أحدهم ساكنا ليساعد هذا الرجل وينقذه من الموت؟
متلازمة جينوفيزي
في مارس/آذار 1964، تعرضت امرأة من مدينة نيويورك للطعن حتى الموت خارج شقتها في حي “كيو جاردنز”، ونقل تقرير الجريمة في صحيفة نيويورك تايمز إحساس عدم المبالاة من الجيران الذين لم يقدموا المساعدة، ويقال إن 38 شخصا رأوا الحادثة أو سمعوا الهجوم ولم يستدعوا الشرطة.
هذا الحادث وغيره أثار لاحقا أبحاثا أصبحت تعرف باسم “تأثير المتفرجين” أو “متلازمة جينوفيزي”، وهي ظاهرة نفسية اجتماعية تشير إلى امتناع الشخص عن تقديم أي مساعدة للضحية إذا كان هناك حاضرون آخرون، إذ إن احتمال المساعدة يرتبط عكسيا مع عدد المتفرجين، فكلما زاد عدد المتفرجين نقصت نسبة أن يقدم أحدهم المساعدة.
مساعدة عبر التصوير
تفسير آخر يطرحه لينوس أندرسون المحاضر في دراسات الإعلام والاتصال بجامعة هالمستاد بالسويد قائلا “يبدو أن التصوير طريقة فورية جدا للتعامل مع حدث ما؛ فهو يمنحك الإحساس بفعل شيء ما، وبدلا من أن تكون سلبيا تصبح نوعا ما شاهدا نشطا”.
كما يمنح التصوير الأشخاص بديلا عندما يشعرون بأنهم غير قادرين أو غير راغبين في التدخل وتقديم يد المساعدة.
ويعزز هذا التفسير بحث أجراه الأستاذ المساعد في علم النفس التنظيمي بالجامعة المفتوحة في هولندا ماركو فان بوميل عام 2013 حول كيفية تأثير وجود الكاميرات على المتفرجين، حسب تقرير سابق للجزيرة نت.
وابتكر بوميل وزملاؤه موقفين: أحدهما سرق فيه شخص أموالا من شخص آخر بحضور المارة، والآخر سرق فيه شخص أموالا من شخص آخر بحضور المارة وكاميرات أمنية، وأظهرت نتيجة البحث أن الناس كانوا أكثر مساعدة عند وجود الكاميرات.
يقول بوميل إنه لم يتم إجراء أي بحث مباشر حول سبب اتخاذ الأشخاص قرارا بتوثيق الحوادث والجرائم بدل التدخل، ولكن هناك نظريتين جيدتين؛ إحداهما أن الناس يشعرون بأن التصوير مهم لأغراض شهود العيان بشكل أساسي، أي مساعدة الشرطة في تعقب المجرم.
وهناك أيضا عنصر آخر مهم وهو أن الأشخاص الذين يعانون من التوتر والصدمة وما إلى ذلك قد يحتاجون إلى تخفيف ذلك من خلال مشاركة مشاعرهم وتجاربهم مع أصدقائهم من خلال الفيديو الذي صوروه.
أين “السامري الصالح”؟
الغريب أن إيطاليا -إلى جانب الولايات المتحدة وعدة دول أوروبية أخرى- تطبق قانونا يطلق عليه اسم “السامري الصالح“، ومهمته تأمين الحماية للشخص المتطوع بتقديم المساعدة، إذا نتج عن إغاثته إصابة شخص آخر أو حتى قتل لاإرادي، وذلك لتقليل تردد الموجودين في تقديم المساعدة خوفا من العقوبات.
ففي فرنسا، يُعد أي شخص لا يقدم المساعدة لشخص معرض للخطر مسؤولا أمام المحاكم المدنية والجنائية، وعقوبة هذه الجريمة السجن والغرامة، وقد تصل إلى دفع تعويضات مالية للضحايا، وكذلك الأمر في ألمانيا.