كتبها: عبد الصمد الكباص
عبد الجبار لوزير ، ما الذي يتجمع تحت هذا الإسم ؟ و مالذي ينتشر خلف هذه الشهرة التي لازمته لعقود طويلة ؟
سيرة عبد الجبار لوزير هي سيرة مدينة .. مراكش التي سمعنا عنها ولم نعد نراها .. هي كذلك سيرة لمة خفيفة ، كوكبة مضيئة من الفرح التلقائي و البسيط، تقاطعت فيها أسماء كمحمد بلقاس و عبد السلام الشرايبي و المهدي الأزدي و كبور الركيك و الشحيمة … و سيرة جمهور باذخ بنشوة الحياة لم تنل منه بعد كآبة الميولات الظلامية ، و قصة أسلوب في تشكيل تحفة اليومي لشعب حالم و مضغوط.. ورغم كل شيء متحمس …
إنها سيرة عصر ذهبي للفرجة ، للحاجة الجارفة للفرجة قبل أن تتشتت عيون الناس و أهوائهم بين الفضائيات و دعاوى الحزن و أشرطة اليأس و الكآبة .
إنها سيرة حياة في ثلاث طلقات و نكتة و حلم كبير …
التحاق عبد السلام الشرايبي بفرقة الوفاء كان إضافة نوعية منحتها نفسا جديدا. مكّن ذلك أولا من إراحة المهدي الأزدي الذي كان يتحمل عبئا كبيرا في بناء الاعمال المسرحية السابقة، كان يكتب النص ويصمم الديكور وينفذه ويركبه فوق الخشبة ويفككه بعد نهاية العرض ويخرج العمل.. كان يقوم بكل شيء تقريبا.
كان عبد السلام الشرايبي يعطينا النص مكتوبا في بضع صفحات. وأثناء التداريب نضيف إليه بعض المقاطع الساخرة والحوارات الهزلية بشكل مرتجل. فكان الشرايبي يلتقط الاضافات ويدونها ويضمنها النص المكتوب. كان لا يترك شيئا يفلت من سلطة الكتابة. أما المهدي فكان لا يهتم بتوثيق الاضافات رغم أنها تمثل ثلثي العمل المؤدى.
لم يكن النص يقيدنا كثيرا في أعمالنا، عبد السلام الشرايبي كان يرسم دائرة الموضوع ويتركنا أحرارا في تطويرها. الحوارات تزداد تنقيحا يوما بعد يوم.
نبدأ بعرض عمره نصف ساعة وعندما ننتهي من التداريب يصير فيه ثلاث ساعات. ذلك ما حدث مع مسرحيات شهيرة كالحراز وسيدي قدور العلمي ومكسور الجناح ونية الفضولي وغرسو يقلعك..
منذ مسرحية «الفاطمي والضاوية» سنة 1951 الى مسرحية «السويرتي» سنة 2008 مثلث في 76 مسرحية دون ذكر السكيتشات. أما العروض فتعد بالآلاف. هذا الرصيد أوثقه في دفتر قديم. وكلما أديت عملا جديدا أضع فيه خطا صغيرا.
البث التجريبي للتلفزة المغربية بدأ سنة 1961 في فترة انعقاد المعرض بدأ سنة 1961 في فترة انعقاد المعرض. دام ذلك أسبوعين، وشاركت فيه ثلاث فرق هي فرقة الوفاء وفرقة الطيب الصديقي وفرقة البدوي. كل يوم تقدم إحدى الفرق مسرحية لها. وفي سنة 1962 انطلق البث الرسمي. لم يكن حينها التسجيل،العروض تنقل مباشرة للجمهور، ليست هناك أية فرصة للزيادة أو النقصان أو التكرار. كل ما يطبخ بالأستوديو يفيض دفعة واحدة في عين المشاهد.
باستوديوهات عين الشق كانت المسرحيات تمثل والسهرات تقام. يوم السبت هو موعد النقل المباشر يحضر الجمهور الى قاعة الاستوديو وتركب ديكورات المسرحية ونشرع في التمثيل أمام الكاميرات التي تعمم في نفس الوقت ما نقوم به على الجمهور المغربي بمختلف المدن. التلفاز كان نادرا، لذلك كانت البيوت التي تتوفر عليه تتكدس بالجيران والأقارب الذين يحجون إليه لمتابعة الحفل عندما يصل موعد نشرة الاخبار يقطع بث السهرة لتتحول الكاميرات الى استوديو مجاور تذاع منه الاخبار.
أول مسلسل تلفزيوني نقدمه هو «المعلم شنطا». قدمناه أولا كسلسلة إذاعية وبعدها صورناه للتلفزيون. ربما كان ذلك سنة 1966. الاخراج التلفزي كان للمرحوم محمد الزياني. أما الكتابة فكانت جماعية شارك فيها كل عناصر فرقة الوفاء. كنا نضع الفكرة ونشرع في تطويرها بالحوارات والمشاهد. وعبد السلام الشرايبي يكتب ذلك. وكل شيء يتم في زمن قياسي. لأننا متبوعين بالتصوير. أما البث فكان إذا لم تخنني الذاكرة يوم الجمعة. بعدها قدمنا مسلسلات أخرى منها «لبس قدك يواتيك» كتبه عبد السلام الشرايبي وأخرجه أحمد حيضر. أما آخر مسلسل نقدمه في إطار فرقة الوفاء فهو «إنساء في الميزان» سنة 1990. كتبه المرحوم عبد السلام الشرايبي وأخرجه محمد عاطفي وصور في بيتي هذا الذي أتحدث فيه الآن.
تفاصيل طريفة تحيط بمسرحية الحراز. ذلك ما جعل منها حدثا في تاريخ فرقة الوفاء وفي مساري الخاص. كنا ضيوفا عند الملك الحسن الثاني، تحدث معنا قليلا ثم توجه إلينا: «عندي لكم اقتراح. تعرفون قصيدة الحراز من تراث الملحون؟ يمكنكم أن تجعلوا منها عملا مسرحيا» أجبناه بالطبع يمكننا ذلك. حينها كنا أنا وبلقاس وعبد السلام الشرايبي مقيمين بالدار البيضاء. استقر بي المقام بالرباط أولا لمدة أربعة أشهر بعدها انتقلت رفقة الاسرة الى البيضاء التي قضينا بها ستة أشهر. السبب في ذلك كثرة الاسفار والترحال الدائم بين المدن والالتزام بالجولات والتصوير بالتلفزة والتسجيل بالإذاعة.
عدنا إلى مراكش لإعداد المسرحية. وشرعنا في التداريب، استلزم منا ذلك شهرا ونصف من العمل المتواصل ليل نهار. عندما أصبحت جاهزة سافرت رفقة محمد بلقاس للالتقاء بالملك بمدينة إفران. أخبرناه بأن الحراز أصبحت عملا مسرحيا مكتملا، ونحن جاهزون لعرضه أمام جلالته. سألنا «ما الذي يلزمكم؟» أجبناه «فقط حافلة لنقل أعضاء الفرقة. وسيارة تعيدنا الى مراكش لأن سيارة بلقاس التي جئنا على متنها قد أصيبت بعطب تقني» فأمر بتوفير ما يلزم. وتمت الاتصالات مع الطاهر أوعسو عامل إقليم مراكش في تلك الفترة لتسهيل إجراءات سفر الفرقة وتوفير الحافلة.
كان بلقاس جد مستعجل ويلح على العودة فورا الى مراكش. لذلك لم نتمكن من انتظار السيارة التي أمر بها الملك فقعدنا على متن سيارة جيب. كان الفصل شتاء. والثلوج تحف مدينة إفران، والبرد قارس، والطريق صقيع لا يحتمل. عندما وصلنا مراكش كنا أقرب الى قطع من الثلج متجمدين ويابسين. دخلنا المدينة عند الفجر. وانتظرنا طلوع الشمس فشرعنا في مباشرة ترتيبات السفر الى إفران رفقة الفرقة. في العاشرة صباحا كان كل شيء جاهز. صعدنا الحافلة بغية الانطلاق، فإذا بالسائق يفاجئنا: «هل تتوفرون على رخصة السفر؟ أجبناه «لا». فرد إذن لا يمكننا الانطلاق من دونها» اتصلنا بالطاهر أوعسو بحث بدوره عن الموظف المكلف بمنح الترخيص بالرحلات فلم يجده، قلبت مصالح العمالة رأسا على عقب دون جدوى. فتكفل رجال الامن بإحضاره فورا، حينها كانت الحافلة راسية بعرصة المعاش بمكان غفل قد لا تكون له قيمة لولا أنه محاذي للبيت الذي يقيم فيه الموظف المختفي دون ان نعرف بذلك. فجأة انفتح باب المنزل فقال له «الدنيا مقلوبة بسببك ورجال الامن يبحثون عنك، العامل يريدك أن توقع لهؤلاء على رخصة الانتقال بالحافلة» هيأ الورقة المطلوبة بنفس المكان ووقع عليها.
وصلنا إفران وأقمنا بفندق تابع للمكتب الشريف للفوسفاط. انصرمت 17 يوما فاستدعاني الملك برفقة بلقاس لتقديم عرض خفيف. وطلب منا الالتحاق به في الرباط. كان الجو جد ممطر عندما وصلنا المدينة. توجهنا الى القصر الملكي فلم نجد به مسؤولا يمكننا أن نكلمه في الموضوع، قصدنا فندق فرنسا المتواجد بباب الحد. قدمنا بطائقنا له. فرفض استقبالنا قبل أن نؤدي مسبقا واجب المبيت. قلنا لصاحبه الاجنبي «نحن ضيوف جلالة الملك. وفي الغد سيتكفل القصر بدفع مصاريف الإيواء، هؤلاء فنانون والجو ممطر. وسيكون سلوكا غير مقبول طردهم…».
فرد علي بنرفزة «هذا الكلام لا يعني لي شيئا. عليكم ان تؤدوا فورا قبل دخولكم الفندق، أو غادروا المكان..« أجبته »لا. لن نغادر«قاطعني»إذن سأستدعي الشرطة».
بشكل غير معهود حضرت بسرعة فرقة للأمن يقودها ضابط برتبة عميد. وشرع بدوره في تهديدنا . قال بالحرف: «غادي نزلكم للبنيقة» فقاطعته بلهجة متوعدة: «هذا أحسن. لن نبيت هنا ولن نمثل أمام الملك ولن نؤد ي واجب الفندق. وسنصحبك الى «البنيقة». وسنرى من الخاسر استشعر من كلامي جدية ما نطقت به فقال لصاحب الفندق«أتركهم الى الغد».
في اليوم الموالي استيقظت وتوجهت الى القصر الملكي، قصدت الجنرال مولاي حفيظ العلوي، حكيت له القصة بكاملها، وأخبرته بأن الفنانين ضيوف الملك قد أهينوا وأهدرت كرامتهم من قبل صاحب الفندق، والأنكى من ذلك فجهاز الأمن هو الذي ساعده. ثارت ثائرة الجنرال واستغرب لماذا قصدنا هذا الفندق «كان عليكم ان تتوجهوا الى فندق آخر كبليما أو هيلطون أو هوليداي» قال. أمر بالإحضار الفوري للأجنبي صاحب فندق فرنسا وفرقة الامن بكل عناصرها. وسألنا «من من هؤلاء ساعد الاجنبي في إهانتكم؟» تعرفنا فورا على العميد الذي كان جسمه بكامله يرتعد، فقلنا للجنرال «الوقت كان ليلا وعيوننا منهكة بالسفر، لذلك لم نعد نذكر ملامحه» في الحقيقة خفنا أن نؤذيه لأن مولاي الحفيظ العلوي كان في قمة غضبه.
في ذلك اليوم أغلق الفندق ولمدة ثلاثة أشهر لأنه لم يحترم فنانين حلوا بالعاصمة ضيوفا على الملك. ولم يعاملهم المعاملة التي تليق بوضعهم هذا. الحسن الثاني رحمه الله كان صارما في هذه الأمور.