أرشيف المراكشية
عرفتْ مدينة مراكش المغربية في السنوات الأخيرة تحولات اقتصادية واجتماعية رافقها تحول عمراني ودينامية متسارعة على مستوى اختيار وتفضيل المدينة كوجهة للسياحة أو للسكن والاستقرار والاستثمار، مما جعل أسعار العقار ترتفع لتصل مستويات قياسية وغير مسبوقة.
ارتفاع أسعار العقارات، على مستوى شراء الشقق أو الأراضي المجهزة، جعل من المستحيل على الكثيرين أن يجدوا ما يلائم رواتبهم وقدراتهم المادية، لذلك ظلوا على حالهم مكتفين بكراء (ايجار) شقق ارتفع مقابلها، حتى أن المقابل يمكن أن يلتهم نصف الراتب بالنسبة لموظف في السلم العاشر. بين نار الكراء ونار الامتلاك، ابتكر المراكشيون مساحة من الهواء تُمكن الباحث عن سكن من شقة مقابل كراء مريح، كما تُمكن صاحب المسكن من عائدات رهْنه للمنزل الذي يملكه.
تُعرف العملية بتسمية الرهن. والرهن هو نوع من الكراء، لكن بمواصفات ووثائق وحسابات مغايرة.
الحسين، موظف في إدارة عمومية، مُرتبه الشهري في حدود 7000 درهم، متزوجٌ وأبٌ لطفلين، رهن منذ ثلاث سنوات منزلاً بـ 800 درهما كواجب « كراء» شهري، ورهْن في حدود 60.000 درهم، على مدى سنتين، وتوجد الشقة في مسكن مؤلف من أربع شقق. صاحب المنزل رهن ثلاث شقق وقام بكراء الرابعة بمقابل في حدود 2200 درهما.
في حالة الحسين، تقتضي عملية الرهن أن يدفع واجب الكراء والسلف مسبقاً، أي المبلغ الإجمالي للكراء على مدى السنتين يضاف إليها مقدار السلف، حيث يكون مطالباً بدفع نحو 80.000 درهم عند التوقيع على عقدي الكراء والسلف.
خارج عملية الرهن، سيكون على الحسين أن يكتري نفس الشقة بـ 2200 د شهرياً، على الأقل. بين الكراء والرهن يوفر الحسين 1400 د شهرياً، لكنه، بالمقابل، يُمَكن صاحب المحل من سلف محدد في 60000 د يستطيع ترويجها في أعمال أخرى، يضاف إليها بطبيعة الحال مقابل رهن المنزلين الآخرين. وهكذا، يبدو أن الجميع يخرج رابحاً من العملية.
يقوم الرهن على أساس وثيقتين يتم التوقيع عليهما من طرف الكاري والمكتري ويتم التصديق عليهما من طرف المصالح المختصة على مستوى المقاطعة. بالنسبة للوثيقة الأولى فهي عقد إبراء من دين كراء، يشهد فيه الكاري بأن المكتري يسكن بمنزله ابتداءً من تاريخ محدد إلى غاية تاريخ آخر محدد، وذلك بدون مقابل. مدة عقدي الكراء والسلف، غالباً ما تكون في حدود سنة أو سنتين. وقيمة السلف والكراء غالباً ما تتدخل فيها عوامل الموقع وجودة المسكن، حيث إن شقة بشارع كليز، مثلاً، يكون رهنها مرتفعاً مقارنة مع شقة بشارع علال الفاسي أو بحي سيدي عباد مثلاً، كما أن إقامة فاخرة يتم رهنها في شروط سكنية ممتازة تكون بمقابل مادي مرتفع مقارنة مع شقة عادية. وفي عقد الإبراء يتم تسجيل الاسم الكامل للكاري وللمكتري وتاريخ الولادة ورقم وتاريخ تسليم البطاقة الوطنية (الهوية) وعنوان السكن. وينتهي عقد الإبراء من دين الكراء بالعبارات التالية: «بهذا أشهد وأوقع. وحرر له هذا الإبراء ليكون حجة علي»، ويذيل العقد بتوقيع الكاري فقط، مع إثبات مكان وتاريخ التوقيع.
بالموازاة مع هذا العقد يتم تحرير عقد سلف بين الطرف الأول وهو الكاري بصفته مديناً والطرف الثاني بصفته دائناً.
وكما في العقد الأول، يتم في العقد الثاني تسجيل الاسم الكامل للكاري وللمكتري وتاريخ الولادة ورقم وتاريخ تسليم البطاقة الوطنية وعنوان السكن، مع تحديد مبلغ السلف: قدره ونهايته ومدة السلف، كما يتم إثبات تاريخ ابتداء وانتهاء العقد. وفي هذا العقد يعترف الكاري على نفسه بأنه «تحوز» بالمبلغ المذكور من الطرف الثاني، وذلك «من أجل السلف على وجه البر والإحسان»، كما يلتزم بإرجاع المبلغ المذكور للمكتري، وذلك «عند نهاية العقد بدون تأخير ولا مماطلة ودون قيد أو شرط»، ويتضمن عقد السلف توقيع كل من المدين والدائن، مع إثبات مكان وتاريخ التوقيع، كما يشار في رأس الصفحة التي يحرر فيها العقد إلى الفصل 856 من قانون الالتزامات والعقود.
وفي ظل ارتفاع أثمان العقار وصعوبة الحصول على مسكن يلبي انتظارات المكترين، سواء على مستوى الأثمان أو جودة المسكن، فإنه غالباً ما يتم تمديد العقد بين الطرفين بنفس الشروط، حيث يتم التوقيع على عقدين يحملان تواريخ جديدة، لكن بنفس مضمون العملية السابقة، وغالبا ما يكون التراضي أساساً لتمديد العقد.
وبين نار الكراء ونار امتلاك المسكن، غالبا ما يكون الرهن حالة سكن انتقالي في انتظار امتلاك مسكن يتوافق الجميع على تسميته ب « قبر الدنيا»، وهو قبر صار في مدينة مراكش صعب المنال والتملك في نظر الكثيرين