أرشيف المراكشية / سعيد بوخليط
خلال كل سنة، تصنف الدوائر والمنتديات المالية والاقتصادية العالمية، مجموعة من الأسماء العربية ضمن أثرى أثرياء الكون، وتدرجهم ضمن الصفوف العشرة الأولى. في المقابل أيضا، تجزم حصيلة مختلف التقارير التنموية السنوية القاعدة التي أضحت قاعدة، لا لبس فيها :
العرب شعوب متخلفة جدا،تعيش خارج سماء العالم المعاصر بمؤشرات حياة في غاية البؤس،فنتحسس مع جداول البيانات والأرقام،أننا مجرد ثقل على الآخرين، بكل ماتحمله الكلمة من دلالة.توثين سياسي، ترهل علمي،أصوليةعمياء ، وصولية صماء، فساد،ريع،رجعية،انتهازية،دعارة،نخاسة،استغلال بكل أنواعه،جريمة، جهل، إرهاب، مافيات الجنس،الرق الأبيض،إلخ .
بالتالي، فالثراء المادي العربي المقدر بتريولونات الدولارات،لم ينعكس كما المفترض،إيجابا على المجموعة العربية،لذلك يحق للبعض التحدث عن النقمة البترولية-على اعتبار أن البترول شكل بوابة للاغتناء- بدل كونه نعمة،بحيث أن منطقة الشرق الأوسط كمدخر لأكبر احتياطي عالمي،شكلت باستمرار ساحة وغى مفتوحة لأعتى المعارك، ولم تنعم في يوم من الأيام بصمت لفوهة المدافع.
تدفق عائدات الذهب الأسود،أو مايعرف بالطفرة النفطية وعبرها الانتقال الإيديولوجي للتاريخ العربي،من المد الجارف للتنظيمات القومية واليسارية مع الناصرية والتنظيمات البعثية والشيوعية، إلى أخرى تنعت بالفترة السعودية، ومختلف الشوائب المرتبطة بها، من تعضيد للرجعية والماضوية وشتى أنواع التوتاليتارية. أقول، بأن اللاوعي الغربي والأوروبي، تمثل ماهية العربي في صيغة فيزيقية لا تنزاح عن كتلة برميل سميك ومكتنز، يتدحرج بسرعة آلية صوب نوادي القمار ب “لاس فيغاس” وملاهيها الليلية،ولعابه يجري دولارات، لاغير، كي يرى بأم عينيه أطياف الشقراوات،هكذا دأبت البنية الفيلمية للإنتاج الهوليودي،على استحضار صورة العربي في صورة شيخ تبدي ملامحه الصحراوية، رعونة مفرطة،يرطن بكلمة ما شاء الله،وهو يترجل المطارات الأمريكية حاملا بيده اليمنى حقيبة تكاد تنفجر دولارات،وفي يده اليسرى سبحة وسيجارة كوبية.بعد أحداث11شتنبر2001 ،أضافوا له حقيبة ثالثة، تكاد تنفجرهاته المرة، من المتفجرات.
إذن العربي، كما كرسه المخيال الغربي،هو الثري ماليا،المتخلف ذهنيا،الشبق غرائزيا حد الحيوانية.
ثم،لم يعد البترول وحده بوابة للثروة،فقد أدرك إخواننا بحكم تطور الخبرة،مجالات استثمارية أخرى ذات مردودية مالية سريعة،لكن بدون تأثيرات اجتماعية،كالبنوك والفنادق والعقار والسياحة والتجارة والطاقة بل والإعلام الجنسي،يقول الكاتب السوري نضال نعيسة :((أدى إدخال القنوات الفضائية الماجنة والكباريهات الفضائية إلى البيوت،إلى تدمير وتمييع وتخنيث وترثيث وتسذيج وتنميط الشباب وتوظيف ثروات طائلة في البورنوغرافي والإنتاج الإباحي،وتقول إحدى الإحصائيات من خلال صحيفة “Therun الأسكتلندية أن هناك أكثر من 320 قناة من القنوات الأوروبية على الأقمار الصناعية”hotbird”،و”fulelsat”،و”astra”،و”Kopernicus”،مملوكة لرجال أعمال عرب باستثمارات تفوق460مليون أورو.وأكدت الصحيفة أن هناك 270 من320،يستثمر أصحابها أموالهم،في القنوات الجنسية الموجهة إلى الشعوب العربية وأمريكا اللاتنية)).
فمع سيولة مالية، تقدر تقريبا ب354 مليار دولار،منبعها الأصلي الشرق الأوسط،يزحف السياق العربي،فوق أرض جرداء بلا مستشفيات ولا مدارس ولا معامل ولامعاهد ولاجامعات،بالمعنى المضموني التاريخي للدلالة،أما الهياكل الترابية فهي موجودة،بحيث لم تفلح أي جامعة لدينا وعطفا على كل المبلغ الفلكي المشار إليه أعلاه،كي تقترب من ظل ريادة خمسمائة جامعة مرتبة عالميا.فقط،سيتنافس الثراء العربي، في تفريخ قنوات غنائية تافهة غدت في كل مكان، مثل نبات المستنقعات.
جميعنا،لازال يذكر حكاية الثري العربي،الذي دفع مبلغا يناهز30 ألف دولار،كي يظفر بقماش لباس داخلي ارتدته، في لحظة من اللحظات لاعبة التنس الروسية أناكورنيكوفا.ثم،السعودي الذي اشترى تيسا ب13مليون ريال.ثم، الإماراتي الذي اقتنى حوض استحمام تجاوزت تكلفته 6مليون درهم،لأنه مصنوع من حجر كريم قديم جدا.ثم،الكويتي الذي وقع شيكا على بياض، مهما وصل سقف المبلغ المالي،لا لشيء،غير حصوله على الحبل الذي شنق به صدام حسين.ثم،مواطن آخر من نفس جنسيته، سيدفع بعين الكيفية أموالا كي ينقل إلى بيته أجزاء من تمثال صدام، الذي حطمته القوات الأمريكية عشية دخولها بغداد.ثم،السعودي الذي عرض10 ملايين دولار، كي يحظى بحذاء العراقي منتظر الزايدي،صاحب القذيفة الشهيرة نحو رأس جورج بوش.ثم الثري العربي، الذي أسرع إلى مسؤولي نيويورك بشيك قيمته 10مليون دولار،بعد واقعة11شتنبر، لكن عمدة المدينة رفض تسلمه… .
أما، احتفاء بمهرجان “كان” السينمائي،المناسبة الفنية الكبرى،التي قد تشكل فرصة كي يدلي العرب ب”عبقرية” ما أنتجه عقلهم الجمالي،فعلى العكس من هذا السعي،سيسرع أثرياؤنا باليخوت الفاخرة صوب المياه الفرنسية،كي ترسوا طيلة أيام المنافسة،تلهفا للمتعة فيقدمون 40ألف دولار في الليلة الواحدة لبائعات الهوى، من طراز خاص،تنقلهن طائرات من باريس ولندن وفنزويلا والبرازيل وروسيا.بهذا الخصوص،تخبرنا صحيفة “ميل أونلاين” البريطانية بما يلي :((إن العرب هم أكثرالناس كرما في العالم.إذا أعجبتهم فتاة فهم يمنحونها الكثير من المال.إنهم،يحملون المال في حزم تبلغ كل منها 10آلاف يورو.بالنسبة إليهم،فهي ليست أكثر من مجرد حزمة من الورق.إنهم، حتى لايحبون أن يحصوها،بل يقدمونها فقط إلى الفتاة بدون أي تفكير)).
آنيا،حيث المحرقة السورية تهز الصنم وليس فقط البشر،فإن أبناء الأثرياء العرب،يثيرون غضب سكان لندن،وهم يتسلون بمحركات سياراتهم الفارهة من طراز”بوغاتي” و”فيراري” و”لامبورغيني”،أما آباؤهم فقد هرولوا نحو مخيم الزعتر بالأردن، ليس لمساعدة اللاجئين، لكن لتقطير اللذة من أثداء ،لاجئات سوريات لايتجاوز عمرهن التسع سنوات ،حيث يوافق الأهل بسرعة نتيجة الأوضاع المعيشية السيئة جدا… .
وحتى لاأنهي، هذه المقالة المقتضبة جدا عن الجنون العربي،على وقع متواليات الجنون،يكفي أن أختم بسيرة رجل من عيار مختلف تماما،اسمه بيل غيتس، صاحب شركة مايكروسوفت،الذي أنفق سنة 2006،مبلغ 31 مليار دولار،ليس للتباهي بيخت أو استدراج قافلة عاهرات من أوكرانيا،لكن من أجل تعليم الفقراء والقضاء على بعض الأمراض الفتاكة مثل الملاريا.