بقلم د. ش. أسامة شعبان/ لبنان
1- في اليوم العالميّ للّغة العربيّ الثّامن عشر من كانون الأوّل، غالبًا ما نستدعي العربيّة لتكون حاضرةً في إعلامنا ومدارسنا وجامعاتنا؛ احتفالًا بمناسبة، والتزامًا بطقوس سنويّة و”فلكلور” شعبيّ، وهو شيء مهمّ ينمّ عن حبّ العربيّة، لـٰكن هل هـٰذا يكفي! وماذا عن بقيّة العام؟! مَن للعربيّة وصمودها وانتشارها!؟
2- أكلتْنا العامّيّة، حتّى في يوم اللّغة العربيّة، عند كثير من المحتفلين بها! لا بدّ من قرار شخصيّ لكلّ فرد، يبدأ الكتابة بالفصيحة في وسائل التّواصل والشّابكة (الإنترنت)، والتّحدّث بها حيث ينبغي، والدّعوة إليها، والتّمكين منها.
3- إنّ التّخطيط المبنيّ على الواقعيّة المدعوم بالحوكمة الرّشيدة، ليس مجرد استجابة لِما تقتضيه تغيّرات الزّمان، بل وسيلة للدّفاع، وأسلوب في الانفتاح، بدءًا من التّخلّص من عقدة النّقْص في نفوس كثيرين تُجاه اللّغة الأمّ، مرورًا بالتزامها كأحد المعايير لقبول اليد العاملة في الدّول العربيّة، وانتهاءً باشتراط التّكلّم بها من قِبل أهلها في المحافل الدّوليّة والمؤتمرات العالميّة. فاللّغةُ تقْوى وتزدهر، في ظلِّ قوّة أهلها.
4- كيف ندعم العربيّة؟ بالصّدق في الأداء، والواقعيّة في التّعامل، وتوسيع دوائر استعمالها، وتنشئة جيل جديد متمكّن من لغته، عارف بمفاتيح الكلام، وأدوات الرّبط، يحبّها وتحبّه، ولا يرضى بها بدلًا، مع إتقانه للّغات العالميّة الذّائعة الانتشار.
5- يُقال: في أيّام المأمون العباسيّ، في ما يسمّى “بيت الحكمة”، كانت المكافأة وزْنَ الكتاب ذهبًا على أعمال التّرجمة للتّراث العالميّ العلميّ؛ فكيف نريد أن تنافس العربيّة في زمن العولمة والعامّيّات ووسائل التّواصل، إنْ لمْ ندعم طلّابها ومعلّميها وسوقها ومقدَّراتها!
6- “كلّ مولود يحتاج إلى لغةً”… وبناءً على هـٰذه المُسلَّمة الطّبيعيّة، فاللّغة حاجة ملحّة، بدأت مع الإنسان الأوّل آدم الّذي أوحى الله له باللّغات الأصليّة، ومنها العربيّة، وعلّمه الأسماء كلّها. وفي العبارة المأثورة لابن خلدون في مقدّمته: “الإنسان مدنيّ بطبعه”. وهي حكمة سائرة، تدعو الإنسان إلى التّعاون مع الإنسان، للتّكافل والتّكامل، وبناء مداميك المجتمع الصّالح. فالإنسان مرآة الإنسان ودِرْؤه، والأصل أنّه لا يعيش وحيدًا منعزلًا، ولا يستقلّ وحده بكلّ معايش الحياة، في سفر وحضر، وبادية ومدنيّة؛ واللّغة أساس في التّواصل.
7- نعم، نحتاج إلى إحياء النّحو في عصر العولمة اللّغويّة، والبحث عن ثبات اللّغة العربيّة في زمن المتحرّكات اللّغويّة، ومواكبة اللّغة العربيّة لتحدّيات الثّورة الرّقميّة، وسبُل تعميم ثقافة التّكلّم والكتابة بالعربيّة، كخِيار ثقافيّ حضاريّ استراتيجيّ مستقبليّ.
8- كلّ الكلام عن دعم حقيقيّ للّغة العربيّة مربوط بتأثيرات صنّاع القرار العالميّ، وبعيدًا عن نظريّات المؤامرة والانبطاح والبيع والشّراء، إلّا أنّ إقرار مناهج الدّراسة في بعض بلادنا العربيّة هو جزء من سياسات خفيّة في مراكز صناعة القرار والتّخطيط الدّوليّ للدّول الأوروبيّة والأميركيّة المانحة، لتحقيق المآرب، في مطبخ الأمم الكبيرة المتحكّمة في التّفاصيل؛ وهو ما تشير إليه أبحاث الدّعم من الدّول والشّركات ضمن معايير وضوابط تناسبهم؛ فمتى تكون لنا استقلاليّتنا وشخصيّتنا وقراراتنا… لنحرّر لغتنا من الأسر والقهر؟!