ذ. محمد الطوكي / المراكشية
“من لم تكن له في المنطلق أصول لا يمكن بالتالي أن تكون له استقلالية ولا سيادة” *
Paul Ricœur
مداخلتنا تقتضي الوقوف عن دلالة كل من ، طبوغرافية، ومدينة، ومسجد جامع، وساحة، لنتطرق بعد ذلك إلى الإشكالية المشار إليها في عنوانالمداخلة .
1– الطبوغرافيا : Topographie، تتكون لاتينيا من topos وتعني مكان، و graphein بمعنى وصف، وبذلك التركيب يُصبح المفهوم وصف الأمكنة. هذا عن الدلالة اللغوية .
وتدل في الاصطلاح على فن مسح وتخطيط مختلف أشكال الأراضي ؛ بالتفاصيل والوظائف والمعالم التي تشتمل عليها طبيعيا وعمرانيا (1).
2– المدينة : المدلول المجسد ماديا للمدينة، بصفة عامة ، من الكثرة بمكان، وقد مثلته معالم وآثار ضاربة في القدم تحيل على حضارات سادت ثمبادت ؛ يونانية ورومانية، وفرعونية وعربية … الخ وتلك المآثر واللقى مؤشر على ازدهار المدن رغم اندراسها. لكن الدين الإسلامي“مثل منعرجا تاريخياوحضاريا جديدا في تاريخ الإنسانية قاطبة، فاتخذت المدينة الإسلامية مفهوما متميزا عــن المفهوم الحضاري العام” (2).
فالمدينة في المعجم اللغوي العربي العام راوحت بين دلالة الجذرين : مدن، ودين. “مَدَن بالمكان أقام به ، فعل ممات، ومنه المدينة فهي فعيلة، وتجمععلى مدائن بالهمز، ومُدْن ومُدُن بالتخفيف والتثقيل.
وفيه قول آخر أنه مَفْعِلـَة من دِنْتُ أيْ مُـلِكْتُ …
وقال ابن بري : لو كانت الميم في مدينة زائدة لم يجز جمعها على مدن، وفلان مدَّن المدائن، كما يقال مصَّر الأمصار، قال : وسئل أبو علي الفسويعن همزة مدائن ، فقال فيه قولان، من جعله فعيلة من قولك مَدَن بالمكان أي أقام به همز، ومن جعله مَفْعِلة من قولك دِين أي مُلِكَ لم يهمز، كما لا يهمزمعايش، والنسبة إليها مديني. والمدينة اسم مدينة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، غلبت عليها تفخيما لها، شرفها الله وصانها، وإذانسبت إلى المدينة فالرجل والثوب مدني، والطير ونحوه مديني لا يقال غير ذلك.
ويقال للأمَة مدينة أي مملوكة، ويقال للعبد مدين وقد فسر قوله تعالى : “إنا لمدينون” أي إنا لمملوكون بعد الموت.
ومدن الرجل أتى المدينة، وقال أبو منصور : هذا يدل على أن الميم أصلية وإذا نُسِبَ إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم قلت : مَدَنِي وإلى مدينةالمنصور مَدِينِي ، وإلى مدائن كسرى مدائني، للفرق بين النسب لئلا يختلط ” (3).
ومن التوفيق بين الدلالة اللغوية لكل من الاشتقاقين ؛ مَدَنَ وَدَيَنَ نستشف مواصفات وشروط المدينة والتمدن، من إقامة بالمكان فلا حضارة مع الارتحالوعدم الاستقرار، والمِلكية وتفيد المكاسب، والقانون، والمَلِك، أو السلطان الذي يسهر على تطبيق القانون وضمان الأمن والاستقرار والتحضر. ولخصوصية المدينة المنورة دارت النسبة إليها بين تطبيق قاعدة النسب والخروج عنها.
من خلال هذه الفذلكة اللغوية نعلم أن كلمة مدينة تعتمد عناصر جغرافية وبشرية ومعمارية، تدخل في علاقة جدلية فيما بينها لتعطي مفهوم المدينة. وحينئذ فالمورفولوجية العامة للمدينة تتلخص في موقع جغرافي وتجمع بشري وعمارة (4) .
3 – المسجد الجامع : المسجد لغة مفعِل بالكسر اسم لمكان السجود، والمسجَد بالفتح اسم للمصدر. قال أبو زكرياء الفراء كل ما كان على فَعَل يفْعُلكَدَخَل يدخُل، فالمفْعَل منه بالفتح اسما كان أو مصدرا لا يقع فيه الفرق، مثل دَخَل مَدْخَلا، ومن الأسماء ما الزموها كسر العين، منها المسجِد، والمطلِع،والمغرِب، والمشرِق وغيرها، فجعلوا الكسر علامة للاسم ، وربما فتح بعض العرب، فقد روي المسجِد والمسجَد، والمطلِعْ والمطلَع (5). ، قال والفتح كل جائزوإن لم نسمعه. قال في الصحاح : والمسجَد بالفتحة جبهة الرجل حيث يصيبه السجود. قال أبو حفص الصقلي في كتاب تثقيف اللسان، ويقال مَسْيَدحكاه غير واحد، فتحصل فيه ثلاث لغات والمِسْجَدُ (6) بكسر الميم الخُمْرة وهي الحصير الصغير قاله العسكري في التصحيف (7).
أما المسجد شرعا : “فكل موضع من الأرض يتخذ للصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم “جعلت لي الأرض مسجدا” وهذا من خصائص هذه الأمة ، قالالقاضي عياض؛ لأن من كان قبلنا كانوا لا يصلون إلا في موضع يتيقنون طهارته ، ونحن خصصنا بجواز الصلاة في جميع الأرض إلا ما تيقنانجاسته، وقال القرطبي : هذا ما خص الله به نبيه، وكانت الأنبياء قبله إنما أبيحت لهم الصلوات في مواضع مخصوصة كالبِيع (جمع بيعِه بكسر الباء) والكنائس (8).
وقد سميت المساجد كذلك ” لما كان السجود أشرف أفعال الصلاة لقرب العبد من ربه، اشتق اسم المكان منه، فقيل مسجِد، ولم يقولوا مركع، ثم إنالعرف خصص المسجد بالمكان المهيأ للصلوات الخمس، حتى يخرج المصلى المجتمع فيه للأعياد ونحوها فلا يعطى حكمه ، وكذلك الربط (9) والمدارسفإنها هيئت لغير ذلك” (10).
أما الجامع : فهو وصف للمسجد، وإنما وصف به لاجتماع الناس فيه لإقامة الجمعة. والمسجد الجامع الذي يجتمع فيه الناس وتقام فيه الجمعة، ثمأخذوا يطلقون الوصف أي الجامع على كل مسجد تقام فيه الجمعة. وفي هذه العصور المتأخرة توسعت الدلالة فأطلق الجامع على كل مسجد يصلىفيه (11).
4- الساحة : وهي في هذه المداخلة رحبة مراكش المشهورة بساحة جامع الفناء، وهي من الساحات المصنفة عالميا ضمن التراث العالمي اللامادي،ترتاد من قبل ساكنة مراكش، والسياحة الداخلية والخارجية للاستمتاع بالفرجة التي تعرضها مختلف حلقاتها. وقد ساهم في إذاعة صيتها عالميا ؛فنانون وأدباء أجانب مثل إلياس كانتي مبدع رواية أصوات مراكش الحائزة على جائزة نوبل، و كويتي صولو الذي استهوته المدينة ، فاستقر بهاوسكن في حي القنارية الذي يعتبر مدخلا من مداخل الساحة التي عشقها وكان من أهم المساهمين في استصدار قرار الاعتراف بها دوليا من لدناليونسكو.
يُتبع …