للمراكشية: د. محمد رابطة الدين / كلية الآداب . مراكش
حدد Gaston Deverdun موقع باب نفيس أمام مدخل عرصة ابن ادريس حاليا ، وهي إحدى نقط التقاء تامراكشت بحومة أكادير، وبنى افتراضه على عناصر ثلاث هي:
ـ مقابلة الموقع المذكور للاتجاه المؤدي من مراكش إلى “مدينة نفيس”.
ـ تشكيكه في صحة موقع باب نفيس في ترتيب ابن فضل الله العمري لأبواب مراكش الموحدية، معتبرا الصواب في أن يسبق باب نفيس باب الشريعة في الترتيب المذكور، مستندا في ذلك إلى ورود اسم باب غُفل قبل باب الشريعة في نص “مسالك الأبصار”، ومعتقدا أنه هو باب نفيس بالذات .
ولعل هذا الموقع الذي اقترحه Deverdun التوطين باب نفيس يبدو مستبعدا لملاحظات ثلاث هي:
– اعتماد اتجاه الموقع صوب “مدينة نفيس” كمرجع غير وارد، فالعمري لم يشر إلى “مدينة نفيس” بعينها وإنما إلى “بلد نفيس” كإطار جغرافي اشتهر بغنى موارده المائية والفلاحية، ولعل السبب فيما فهمه Deverdun ، يرجع إلى النص الفرنسي لكتاب “مسالك الأبصار” الذي اعتمده، حيث ترجم Demombynes الحملة الاسمية الواردة في النص العربي “بلد نفيس” بـ “مدينة نفيس” . والفرق في الدلالة بينهما واضح، يضاف إلى ذلك أن موقع المدينة لم يكتشف بعد، حتى نجعل منه مرجعا لتوطين مواقع جغرافية أخرى.
– لم يوضح Deverdun طبيعة وموضع ونتائج الحفريات التي أنجزها Charles Allain ، والمرجع الذي يتضمنها واعتمدها هو في الاستنتاج الذي انتهى إليه.
– حسبما يبدو فإن ما كان وراء فهم Deverdun للباب الغفل على أنه باب نفيس، يرجع إلى خلل في الترجمة الفرنسية لنص “مسالك الأبصار”، مسألة يمكن رصدها من خلال مقابلة النص الأصل بالترجمة.
النص العربي:
«وبها الصهريج الكبير… والصهريج في مصطلح أهل المغرب البركة، وهي بركة عظيمة، عليها سور وباب، يصب فيها النهر الثاني الداخل إلى مراكش» .
نص الترجمة:
« Là s’étend le grand sahrij, mot qui dans le dialecte des gens du Maghreb signifie “bassin” ; c’est un vaste bassin entouré d’un mur. Puis une porte, par où coule le second cours d’eau qui pénètre dans Marrakech » .
لعل مقارنة القطعتين تسم بضبط الخلل الحاصل في الترجمة من جانبين، أولهما استخدام “L’adverbe “puis مقابل ترجمة واو العطف، التي تضيف الباب إلى البركة لا إلى السور. وهو المعنى الصحيح، في حين يلاحظ أن Demombynes استخدم “Puis” بالمعنى الذي يفيده كلمة “يليه”، وبذلك تغير المعنى ليعطي بابا آخر لا علاقة له بالبركة، أما ثانيهما فتأكيدهما على نفس الدلالة باستخدام علامة النقطة في الترقيم بعد كلمة سور.
وحتى تستقيم الترجمة مع المعنى الوارد في النص الأصل يقتضي الأمر إدخال تعديل على جملة: « Entouré d’un mur. Puis une porte » لتصبح صياغتها كما يلي: « Entouré d’un mur avec une porte » .
ـ يلاحظ أيضا أن محتوى الاستنتاج نفسه غير مقبول ، فالتوطين المقترح يُحَوِّل باب نفيس إلى باب داخلي، ولا يفهم من الإشارات المتعلقة بهذا الباب في المصادر أنه كان كذلك حتى بعد التوسع الذي عرفته المدينة، ولعل حسم هذه المسألة توفره إشارتان الأولى لابن عذاري وردت في سياق حديثه عن دخول أبي دبوس إلى مراكش عام 665هجرية/1267ميلادية، يقول : «وسرح الأبواب للداخل والخارج… وأمر بحل باب نفيس وباب المخزن وباب الفتح» والثانية لابن فضل الله العمري: «باب نفيس يخرج منه إلى بلد نفيس المفضلة المياه والأعناب» .
يبدو إذن أن الموقع الذي اقترحه Deverdun لتوطين باب نفيس غير وارد، وعلى الرغم من عدم وجود أبحاث أركيولوجية في الموضوع، فإن تأمل الجزئيات المتناثرة في المصادر يسمح برصد مجموعة مؤشرات مساعدة على استشفاف موقع الباب المذكور.
فحسب العمري فإن باب نفيس يقع بين باب الشريعة جنوبا وباب المخزن شمالا ومن المرجح أنه كان جنوب باب الجديد حاليا كما اقترح ذلك Demombynes وتدعمه ملاحظات ثلاث هي:
ـ تمثل هذه النقطة الحدود الشمالية لحومة أكادير، وقد أشار ابن عذاري إلى قرب باب نفيس من باب الشريعة ويستنتج من ذلك محاذاته للحومة المذكورة.
ـ انفتاح الموقع على جهة نفيس.
ـ أورد العمري الإشارة التالية: «باب نفيس… وقدامه بركة اقنا، يتعلم فيها الصبيان العوم» ونعتقد أن البركة المقصودة توافق صهريج المنارة حاليا.