الصفحة الرئيسيةأخبارمنوعات

بعض أجنحته تعود إلى القرن التاسع عشر ..فندق المامونية بمراكش قبل التغيير

       «لا مامونيه» فندق الأحلام .. ومصدر إلهام تشرشل

 فندق «لا مامونية». ليس  مجرد فندق، فهو معلم فني عريق ينضوي تحت لواء شبكة اكثر الفنادق تميزا حول العالم TheLeading Hotels of the World وينضم الى سلسلة فنادق كونكورد.

واليكم قصة «لا مامونية»، هذا الفندق الذي اقام فيه ونستون تشرشل واستوحى من جمال حدائقه احدى لوحاته، لا سيما ان تشرشل كان شديد التعلق بمراكش وكثير التردد عليها، وخلال احد لقاءاته مع الرئيس الاميركي فرانكلن روزفلت في عام 1943، حدثه عن مراكش قائلا: «هي واحد من اجمل الاماكن في العالم». و«لا مامونية» لم يشكل فقط مقر اقامة ونستون تشرشل على مدى سنوات انما لطالما شكل «موطئ قدم» غالبية الشخصيات العالمية التي تزور مراكش من الملكة اليزابيث الى الرئيس الفرنسي جاك شيراك والسناتور هيلاري كلينتون والرئيس الاميركي الراحل رونالد ريغان، الى الامين العام للامم المتحدة كوفي انان والمستشار الالماني السابق هيلموت كول. ومن النجوم والممثلين الاميركيين توم كروز وبروس ويليس وشارون ستون. والآن رافقوني في هذه الجولة في ارجاء الفندق. ولنبدأ اولا بتعريف الاسم الذي يرتبط بتاريخ التأسيس. يستمد «لا مامونية» اسمه من حدائقه التي عرفت بـ «حدائق المامون». خلال القرن الثأمن عشر كانت هذه الحدائق ملك الامير مولاي مأمون، الابن الرابع للسلطان سيدي محمد بن عبد الله الذي تولى الحكم خلال القرن الثأمن عشر. وكان من عادات السلطان محمد بن عبد الله ان يهدي بيتا وحديقة لكل واحد من ابنائه عند زواجه. وقد شكلت هذه الحدائق الغناء هدية زواج الامير مأمون، الذي اطلق عليها اسمه وما زالت تحمله الى يومنا هذا. ولطالما عرفت هذه الحدائق بجمالها وشهدت سهرات وليالي ملاحا كان يقيمها الامير مأمون. واليوم تتعدى مساحة هذه الحدائق سبعة هكتارات. في عام 1922 صمم المهندسان Henri Prost و Antoine Marchisio فندق لا مامونية الملحق بحدائق المامونية. واهم ميزة لهذا الصرح انه جمع ما بين الهندسة المغربية التقليدية وآخر مبتكرات طراز الـ Art deco. في عام 1922 لم تكن غرف الفندق تتعدى المائة لتشهد اضافات ما بين الاعوام 1946 و1953 لتصل الى 200 غرفة.

خضع لا مامونية في عام 1986 الى عملية تجديد بلورت الصورة التي هو عليها اليوم. فقد تم توسيع ردهة الاستقبال وتزيينها بالقطع المغربية التقليدية، كما أضيفت الاعمدة والقناطر وابواب عالية خشبية مرسومة، وهذه التحديثات لا تعني غياب قطع وضعت في عام 1920، لا سيما ان قاعة التشريفات التي تحاكي طراز عام 1920 بحذافيره بقيت كما هي. و«لا مامونية» فندق في تجدد مستمر مع المحافظة على روح الاصالة والعراقة، فما بين عامي 1922 و2002 شهدت كل غرفة عمليات تحديث. وخلال هذا العام سيقفل الفندق ابوابه ما بين شهر مايو (ايار) ونوفمبر (تشرين الثاني) المقبل ليخضع لعملية تحديث لمواكبة آخر التطورات في عالم الفندقة.

جمال مراكش وطابعها المميز وفرادة لا مامونية، جعلته قبلة ضيوف هذه المدينة المتوافدين من كل انحاء العالم، حتى انه قبل الحرب العالمية الثانية كان الاوروبيون والاميركيون يأتون بأثاثهم معهم حتى يشعروا بأنهم في ديارهم وسط بيئة في غاية الروعة والجمال ولم يكن لا مامونية المكان المفضل لرئيس الوزراء البريطاني تشرشل فحسب، انما شكل مقر اقامة للرئيس الفرنسي شارل ديغول، عقب مجيئه الى مراكش بعد حضوره قمة الدار البيضاء الشهيرة التي جمعته والرئيس الاميركي فرانكلن روزفلت. ويومها اوصى مدير عام الفندق على سرير يلائم حجم ومقاس ديغول! ومع مرور السنوات بدأت مراكش وفندق لا مامونية يجذبان النجوم والمخرجين من هوليوود وفرنسا ليصوروا فيها اعمالهم. ففي عام 1953 صوّر Gric Von Strohein فيلم Alerte au Sud، كما اختارت مراكش والمامونية النجمة الالمانية مارلين ديتريش لتصوير فيلم Morocco. وكذلك صوّر فيلم «الرجل الذي يعرف الكثير» للمخرج البريطاني الاسطوري الفرد هيتشكوك في ربوع مراكش.

يتراءى للداخل الى فندق لا مامونية انه يدلف الى قصر من قصور سلاطين الاساطير المغربية. في مدخل الفندق تستقبلك واحة من النخيل والخضرة والنوافير والبوابة الرئيسية بارتفاعها الشاهق وقناطرها مزدانة بالرسوم الزيتية والفسيفساء التي تجسّد فن العمارة المغربية بأبهى حلة. وكما اسلفنا، يزاوج لا مامونية ما بين الطراز الهندسي المغربي والاسلوب الهندسي Art deco الذي عرف ببساطته وخطوطه العريضة ومزاوجة الخشب مع القماش في ما يتعلق بالاثاث، وكما يعرف فإن المغرب يشتهر بخشب الارز، فالسقوف في ردهة الاستقبال من الخشب ومزدانة بالرسوم. وتجمع ردهة الاستقبال ما بين الهندسة المغربية التقليدية واسلوب الهندسة والاثاث المغربي العصري ما يضفي عليها الدفء والفخامة.

ابرز ما يشتهر به هذا الفندق حدائقه واجنحته فالبعض منها غير عادية اذ تتخذ طابعاً معيناً ما جعلها تعرف بـ  Suites à  thème. ويضم لا مامونية 171 غرفة و57 جناحاً من ضمنها تسعة اجنحة ذات طابع معين اضافة الى ثلاث فيلات.

من اشهر الاجنحة «جناح تشرشل». إكراماً للنزيل العزيز تشرشل استحدث الفندق جناحاً ذا طابع انكليزي ليحمل نبض انجلترا وروح تشرشل. الاثاث لا سيما الارائك من طراز تشسترفيلد (مصنوعة من الجلد). والمكتب من الخشب مستوحى من العهد الفيكتوري. يتخطى هذا الجناح المفهوم العادي للأجنحة، انما هو متحف صغير خاص بمقتنيات تشرشل، لا سيما ان قبعته ومظلته لا زالتا موجودتين شاهدتين على زياراته. اضافة الى لوحة ـ غير مكتملة ـ رسمها مستوحاة من جمالية حدائق لا مامونية. ونشاهد في متحف تشرشل في بريطانيا العديد من اللوحات التي صور فيها حدائق لا مامونية. ومن جناح تشرشل الى جناح مغربي بحت هو: La Palmeraie. يعد هذا الجناح من اوسع اجنحة الفندق اذ تبلغ مساحته 250 متراًَ مربعاً ويعكس الهندسة المغربية بأدق تفاصيلها بدءاً من القناطر المزدانة بالفسيفساء وصولاً الى جدران الفسيفساء والارضية البلاط المزدانة بالنقوش.

في هذا الجناح تكثر المرايا، والاثاث يعود الى عصر لويس الخامس عشر وحقبة امبير. كل هذه العناصر تضفي على الجناح فخامة لا مثيل لها. ومن ابرز ميزاته انه يتمتع بأربع شرفات واسعة مطلة على حدائق لا مامونية اللامتناهية. منا لا يحلم بالنوم في سرير تظلله الستائر الحريرية البيضاء الرومانسية ما يعرف بـ Baldaquin. La Suite Nuptiale او «جناح شهر العسل» الذي يمنحكم هذه المتعة. يطغى على هذا الجناح اللون الابيض.

وتظلل السرير اربع ستائر حريرية كما ان الستائر المنسابة بدلال وألوان الباستيل الزهرية التي تخيم على الجناح تمنحه طابعاً رومانسياً حالماً. ولمزيد من الاسترخاء يوفر هذا الجناح الحالم اطلالة على الاشجار الشاهقة وحوض السباحة. قطار الشرق برحلاته الشهيرة بين لندن واسطنبول اسطورة طبعت الكثيرين. من يحن الى هذه الايام ويود استرجاعها ما عليه سوى ان يكون ضيف جناح La Suite Orient-Express. تم شراء التحف وقطع الانتيك الموجودة في هذا الجناح من المزادات العلنية التي كانت تقام في مونتي كارلو. في هذا الجناح ستعودون الى ماضي اوروبا العريق.

وبما اننا نتحدث عن الماضي، فجناح القرن التاسع عشر بأثاثه الذي يعود للعصر الفكتوري سينقلكم الى عراقة الماضي لا سيما ان الحوض في غرفة الاستحمام يعود الى القرن التاسع عشر. اما جناح المنزه فعبارة عن بيت مغربي ملحق بشرفة واسعة. يحافظ هذا الجناح على الطابع المغربي التقليدي ويطل على مسجد الكتبية «المؤتمن على اسرار مراكش». وكما سبق ان ذكرت فإن لا مامونية خضع لعمليات تجديد عدة، ففي عام 1986 تولى عملية التحديث والتغيير في الاثاث Andre Paccard وهو المهندس الخاص بالملك الحسن الثاني. وتولى عملية التحديث الاخيرة (التي شهدها الفندق ما بين العام 2000 و2002)، المهندس الفرنسي العريق ذو الاصول المغربية ألبير بينتو، (الذي تولى تأثيت غرف قصر الاليزيه). واستحدث ثلاثة اجنحة تسمى بـ Les Suites La Mamounia 1930 وهي مستوحاة من الطراز الهندسي لحقبة الثلاثينات ومزدانة بخزفيات من السيراميك مصنوعة في مراكش.

وبعدما تحدثت عن الاجنحة لا بد من الحديث عن الحدائق المحيطة بالفندق او بالاحرى «الغابة» التي يقع الفندق فيها. تتعدى مساحات الحدائق السبعة هكتارات وقد صممت وفق الطراز المغربي. وحدائق لامامونية اشبه بحديقة نباتية اذ نجد فيها كل انواع الاشجار بدءاً من النخيل والحمضيات والموز وصولاً الى الميموزا والخيزران.

وفي لا مامونية لا بد من ان تتناولوا الطعام حول حوض السباحة وسط هذه الغابة المثمرة. وبما اننا نتحدث عن الطعام، فمطاعم لا مامونية مميزة ورفيعة جداً سواء من حيث جمالية المكان او نوعية الطعام.

مطعم Marrakech L_imperiale ذو مستوى رفيع جداً ويغلب عليه الطابع الرسمي، تصميمه مستوحى من سفينة نورماندي الشهيرة.

مطعم Le Marocain، يقدم المأكولات المغربية ضمن اطار هندسي اسباني مغربي ويقدم استعراضاً لرقصات اندلسية. بيانو ـ بار تشرشل يعكس الاسلوب الهندسي البريطاني بأدق تفاصيله. يغلب عليه اللون الاسود اذ تنتشر الارائك الجلدية السوداء في ارجائه كما ان الجدران مغطاة بالجلد الاسود ما يمنحه دفئاً. هذا المكان يحمل النبض الانجليزي العريق. واخيراً اتمنى ان تكونوا قد استمتعتم بهذه الجولة في ارجاء لا مامونية. والى اللقاء حول فنجان قهوة بالقرب من حوض السباحة ووسط الخضرة!     

2006  المصدر: الشرق الأوسط

arArabic