اختارك اللهُ يا قدسُ، يا مدينةَ السلام، لتكوني نهاية الإسراء، ومحطة المعراج إلى السماء والعلياء.. أنتِ أيتها المُبارَكة.. المبارَك فيكِ وحَوْلَكِ.. زرعُك وترابك وزيتونك.. فما أقربَك من السماء!
وزيادةً في كرامة مسجدك الأقصى.. أن جعله الله علامةً على نبوة نبي آخر الزمان أحمد.. فالله أمر نبيّه أن يعلن على الملإ كرامته ومعجزته.. فجهر متوكلًا محتسبًا.. فتعجّب المشركون ثم استهزأوا ثم أنطق اللهُ أحدهم ممن حفظ مداخل الأقصى وجدرانه وزواياه وخفاياه ليحزر صدقَه.. ثم شَهِد له: “أمّا النّعْتُ، فواللهِ، لقد أصاب”… وذاع الأمرُ بينهم.. لقد وصف محمدُ بن عبد الله المسجدَ بالتفصيل أحسنَ ما يكون.. فكفّ كثيرون منهم عمّا كانوا يَلُوكونه بألسنتهم.. وما كان اللهُ لِيخذلَ رسولَه الصادق المصدوق المبعوث رحمةً للعالمين..
حُلُم كلّ مؤمن أن يصلّي في محراب أقصاكِ.. أن يزور صخرتَكِ.. على خطى عمر الفاروق أمير المؤمنين.. والناصر يوسف صلاح الدين.. أنتِ بَوْصَلة الأمّة.. وعنوان الهِمَة.. رغم المُلِمّة والخُطوب المُدْلَهِمّة.. ثورة البُركان.. مقبرة الطغيان.. أمان الإيمان.. وحكاية الحنان.. أنتِ أنتِ..
أنتِ قطعة في قلب كل مؤمن.. أنتِ دم الكرامة يجري في الشرايين.. أنتِ مِيراث الشِّيْب للشَُبَان.. أنتِ الهُوِّيَّة والانتماء.. أنتِ الأمل الذي يخرج من الألم.. والفجر الذي يشقّ حِنْدِسَ الليل.. والتُّرْس الذي يردّ سهام الغدْر.. أنتِ مِحَكّ معادن الرجال.. وغربال الصادقين من المنافقين.. أنتِ القدسُ.. وكفى!
*تأمَّلْ معي.. كيف اتّسع المسجد القُدْسِي لأفضل خلق الله قاطبةً.. لمئة وأربعة وعشرين ألف نبي.. يُصلّون صلاةً جهْرِيّةً بقيام وركوع وسجود، خلف إمامٍ يقرأ خاتم الكتب، القرآن الكريم، بأعذب صوت وأشجاه.. المأمومون أنبياء وفيهم مُرسَلون.. والإمام قائد متواضع ساد الأولين والآخرين بكمال تقواه لله ورضاه.. فاعجَبْ لِمرّة واحدة يتيمة في التاريخ يجتمع كل الأنبياء للصلاة في مسجد التقوى والبركة والسّكينة والتجلّي… المسجد الأقصى.. إنها المُعجزة الباهرة.. وإنها آيات الله… فيا عزَّ مسجدٍ فَضِيل في مدينة مقدَّسة.. احتضنَ كلَّ أنبياء الله! ويا فوزَ مَن مرّغ جبهتَه متبرّكًا حيثُ سَجَدَ أتقى خلق الله!*
د. ش. أسامة شعبان