بقلم الدكتور أسامة شعبان
ثلاث وسبعون سنة مضت وانقضت… فارق الحياةَ كثيرٌ من أهلها الذين خرجوا قَسْرًا؛ يحملون مفاتيح منازلهم.. (لكِ يا مَنازِلُ في القلوبِ مَنازِلُ) يأمُلون العودةَ بعد أيام! ومرّت أعوام، وتعاقبت أجيال.. وبيعت مراتٍ، وعُقدت اتفاقات، وتواطأ إعلام، وتخلّت دول، وتغيّرت نفوس، وخَنَع أشباه الرجال، وخبَت الجذوة عند كثيرين… ولم تمت القضية.. بل لعلّ أجيال اليوم أكثر عزمًا وتمسّكًا بالأرض والحق من أجدادهم.. ولا عَجَب!
كيف لقضية أن تعيش كلَّ هذه السنين؟!
ليس بالضرورة لتحبّ فلسطين وتتعاطف معها.. أن تكون مولودًا عليها، ولا أن تحمل جنسيّتها، ولا أن تملك بيتًا وأرضًا ودكّانًا فيها، ولا أن تعيش في رحابها، ولا أن ترى جمالَها.. يكفي أنك مسلم.. يكفي أنك عربي.. بل يكفي أنك إنسان..
إن قضية فلسطين تمثّل الحق الخالص الذي لا يضيع.. ولا يختلف فيه اثنان منصفان، ولا ينتطح في أمره عنزان.. في كلّ عَصْر ومِصْر.. ففلسطين مغتصَبة.. تحت كذبة رُوّج لها أنها “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.. وتوافد شُذّاذ الآفاق.. ليكون كيانهم خنجرًا في خاصرة الأمة؛ منعًا لوحدتنا، وابتزازًا لقراراتنا، وانتهابًا لخيراتنا، واستجلابًا لعاطفة “اللوبي” الصهيوني العالمي تُجاه الغرب المُخطِّط المدبِّر الداعم…
قضية فلسطين باختصار.. سرقة موصوفة.. وسلْب علني.. وغصْب إرهابيّ.. ولن تتغيّر الحقيقة الصارخة.. مهما مرّت السنوات.. وتغيّرت المسمّيات.. وكبرت التحدّيات..
إن من أسرار الصمود في أرض الرباط فلسطينَ تماسكَ المجتمع البطل الذي يجود بفلذات الأكباد؛ شبابًا كوجْه الصباح.. ولا نَدَم!
*تأمَّلْ مَظْلُوميّة الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشّتات.. تستصرخ الضمائر، وتستنصر الحقوق.. تأمَّلْ ألوان الكرامة في العلم الفلسطيني يلفّ الباحات في بلاد الأرض.. اخضرارَ المرابع، وبياضَ الصنائع، واسودادَ الوقائع، واحمرارَ العيون والأيدي والحجارة والتراب… تأمّلْ عزائم القلوب التي لا تلين ولا تستكين.. تُخجل كلّ كَسُول خَمُول.. تأمّل كيف صدم الواقعُ الفلسطيني وتعاطفُ الأمة كلَّ الذين ظنوا أنّ شعلة الانتفاضة انطفأت.. وأنّ قضيّتها اندَرَسَت.. وأنّ شعبيّتها اضمحلّت.. فلْيمُوتوا بغيظهم! تأمّلْ حقيقةَ أنّ فلسطيَن مُتنفَّسُ الأمّة…