حين تذكر كلمة “أهرامات” في أي مناسبة كانت، تتجه الأنظار غالبا نحو أهرامات الجيزة في مصر ونادرا إلى أهرام تيكال () بغواتيمالا وهرم الشمس بتيوتيهواكان () ونادرا إلى هرم كوكولكان ()، أو كما يلقب أيضا بهرم تشيتشن إيتزا () بالمكسيك.
فيما تتجاهل الأغلبية أو ربما لا تعرف شيئاً عن الأهرامات النوبية الموجودة بحوض النيل ضمن ما يعرف تاريخيا ببلاد النوبة الواقعة بيومنا الحاضر بشمال السودان.
فخلال الفترة ما بين عامي 2500 و1500 قبل الميلاد، مثلت مدينة كرمة العاصمة ببلاد النوبة، قبل أن تنتقل فيما بعد لمدينة نبتة ما بين عامي 1000 و300 قبل الميلاد. ولاحقا، اعتمدت مدينة مروي عاصمة نوبية لحدود العام 300 ميلادي.
الأهرام السودانية اختلفت من حيث الشكل والحجم عن نظيرتها المصرية وتعرضت للتخريب والنهب على مدار قرون
220 هرما
فقد شيّدت في تلك المنطقة أهرامات النوبة، وذلك خلال فترة زمنية امتدت لمئات السنين. واستخدمت كأضرحة لملوك وملكات وأثرياء مدينتي نبتة ومروي.
وعلى الرغم من صغر حجمها مقارنة بنظيرتها المصرية، إلا أنها تتفوق أهرامات النوبة عن تلك الموجودة بالجيزة من حيث العدد، حيث يقدّر عددها بحوالي 220 هرما.
وفي الغالب، لا يتجاوز طول هذه الأهرامات السودانية، المتميزة بقممها الحادة، الثلاثين مترا وتضم بداخلها غرفا مقدسة توضع بها الهدايا والأطعمة والقرابين المقدمة للميت.
إلى ذلك، أثبتت بعض الأبحاث التي جرت بناء على النقوش الموجودة بداخلها، أن جثث من تواجدوا داخل تلك الأهرامات قد حنّطت ووضعت داخل توابيت قبل أن تكسى بالمجوهرات والأحجار النفيسة.
كما أكّد بعض علماء الآثار الذين زاروا أهرامات النوبة ما بين القرنين التاسع عشر والعشرين على وجود أقواس وسهام وأحزمة خيول وصناديق خشبية وفخار وزجاج ملون وأوانٍ معدنية، إضافة للعديد من المصنوعات اليدوية الأخرى بها. وقد جاءت هذه البضائع الموجودة بداخل الأهرامات والغرف الجنائزية لتثبت وجود حركة تجارية هامة بين بلاد النوبة ومصر والإغريق.
إلى ذلك، تتوزع أهرامات النوبة، المقدر عددها بنحو 220 هرما، على ثلاث مناطق أساسية تمثلت في الكرو (El-Kurru) ومروي (Meroë) ونوري (Nuri). وتحتوي الكرو على قبر الملك كاشتا (Kashta)، خليفة الملك ألارا النوبي (Alara)، المصنف كأحد أهم الملوك الكوشيين للنوبة، كما يضم هذا الموقع أيضا قبور 14 ملكة أخرى وعدداً من أحفاد كاشتا. وفي المقابل، تحتوي أهرامات منطقة نوري على قبور ما يزيد عن 70 ملكا وملكة وأميرا.
من جهة أخرى، تحظى منطقة جبل بركل (Jebel Barkal) بشعبية أقل من هذه المواقع الثلاثة بسبب العدد القليل من الأهرامات الموجودة بها. فمقارنة بمواقع الكرو ونوري ومروي، يحتوي موقع جبل بركل على 9 أهرامات فقط.
مغامر إيطالي وتخريب الأهرامات
يذكر أنه على مدار قرون، تعرضت تلك الأهرامات النوبية للنهب والتخريب. فخلال ثلاثينيات القرن التاسع عشر، حلّ المغامر وصائد الكنوز الإيطالي جوزيبي فيرليني (Giuseppe Ferlini) عند أهرامات مروي، التي تحولت لمركز مملكة كوش في حدود القرن الرابع قبل الميلاد، بحثا عن الثروة عقب معلومات قدّمها عدد الباحثين الأوروبيين عن هذا الموقع.
فأثناء مغامرة جمع خلالها كميات كبيرة من الكنوز والذهب والفضّة، تسبب هذا المغامر الإيطالي في تخريب وتدمير ما لا يقل عن 40 من أهرامات النوبة
وبعد محاولات جاهدة لبيعها بكل من إيطاليا وفرنسا، تمكن فيرليني من بيع جانب هام من كنوز النوبة التي جمعها لملك بافاريا لودفيغ الأول (Ludwig I). وحاليا، توجد هذه الكنوز النوبية بمتحف المجموعة الوطنية للفن المصري بألمانيا.
وما بين عامي 1916 و1919، قاد عالم الآثار الأميركي جورج أندرو رايسنر (George Andrew Reisner) أبحاثا عند أهرامات نوري وتمكن من العثور على العديد من الغرف الجنائزية التي احتوت على أماكن دفن ما لا يقل عن 80 فردا من العائلة الملكية بمملكة كوش.
قناة العربية