كتبها للمراكشية عالم يوسفي
نظمت كلية الآداب و العلوم الإنسانية بمراكش ( بمعية مراكش الأعلام والعمران ) احتفاء تكريميا بنخبة من الشخصيات من أبناء المدينة .
و قد نصت كلمة اللجنة المنظمة في الفقرة الموجهة إلى أطياف ضيوف من شرفتهم بمكرمي المحبة و التميز ، نصت على الغاية من وراء هذه السنة الحسنة ـ نرجو لها و لأجرها الدوام ـ قائلة 🙁 في حضن مدينتكم التي تعتز بكم اليوم و تفخر سواء بمن هو مقيم و حل بها ، أو من شط به المزار و أبعده عنها واجب الخدمة و العناية بأبناء الوطن ككل سواء أكان ذلك في مجال أسلاك التربية و التعليم أو اختصاصات التطبيب ، أو تدبير مختلف مرافق الشأن العام ، فالغاية أن وراء الرمزية التي نشيد بها مشيئة و جهد و عمل متواصل و غيرية يصير معها القلب بمثابة واحة تأوي القريب و البعيد .
جرت فعاليات هذا اللقاء المبارك في رحاب نفس الكلية بتاريخ : 6 و 7 دجنبر 2024 . حيت تسنى للحضور الغفير التعرف من جهة عن كثب على المحتفى بهم و مخالطتهم و مساءلتهم ، و نسج علاقات ود وإياهم ، والتقاط صور تذكارية إلى جانبهم ، كما كان اللقاء من الناحية العلمية مناسبة ـ ذكر فيها السيد رئيس الجامعة ـ بضرورة فتح مسالك و أبواب بين مختلف الإختصاصات العلمية بدل الضرب فيما بينها بأسوار ، و هكذا ينفتح حملة العلوم الدقيقة و الصنائع على أرباب العلوم الإنسانية لتنفح بجمالها و ليونتها و جلالها صرامة العلم و حدته كان الجمهورـ و كأن على رؤوسهم الطيرـ مبهورا بما يعرض على المنصة من خلاصات السير الذاتية للأعلام
وكنت ـ كاتب هذه الأسطر ـ من مستوى المنصة أرقب عيون و ردود فعل الجيل الجديد من الشباب، و أعجب من نظراتهم المتعاطفة مع شخوص و حيوات الأجيال السالفة التي تتحرك أمامهم على الركح ما بين تقديم و تعقيب و تتويج بأذرع ، كانت كل علامة أو أمارة دمغتها الكهولة أو الشيخوخة على الأجساد بمثابة وسام حامل لذاكرة، و معبر عن معنى سام ، اشتعال الرأس شيبا ، المشي الوئيد ، تغضن الجبين ، تقوس الظهر، التوكؤ على عكازة ، العزم والإصرار على العمل الذي عبرت عنه كلمة السيد أحمد التوفيق المنسوجة حول ثنائية المشيئة و السير ، كل ذلك وغيره يوحي بالإيثار و الغيرية و الوطنية فعن هذه القيمة المؤلفة و الجامعة و الموحدة بين أبناء الوطن التي تزيدها العقيدة متانة و التحاما.
يقول الأستاذ عبدالله العروي عن هذه الرابطة الوطنية التي تملكها بأطروحته ، واختص فيها ببحوثه و همومه يقول : ( من السهل الاستظهار في تعريف الوطنية بالبديهيات ، فنقول : الوطنية شعور وسلوك و تطلع . فالشعور هو الاعتزاز بالذات و الأجداد . السلوك الإيثار و التضحية . التطلع هو طلب الحرية و التقدم و الرفاهية . ) (1).
لقد تواطأت كلمات المحتفى بهم على هذا المضمون الوطني الذي جسدوه كل في ميدانه قولا و عملا و إنجازا ، و ها هم اليوم يتحدثون عنه بعد أن صار خبرا و ذكرى دخلت إلى التاريخ لها ما قبلها و ما بعدها ، و على سبيل المثال فهذا الطبيب الإخصائي النفسي الدولي إدريس الموساوي يقول في فقرة من كلمته : عندما أنهيت دراستي في فرنسا عرض علي أستاذي ( دوفنكاي ) شغل منصب رئيس مصلحة الطب النفسي في مستشفى (سانت آن) و لم يكن ذلك ممكنا لأن الأمر يتطلب أن أكون فرنسيا و أنا لا أرغب في ذلك ، أريد أن أعود إلى وطني ، فالمغرب بحاجة ماسة إلي و لأمثالي ، فهذه كلية الطب بالدار البيضاء و قد فتحت أبوابها منذ أربع سنوات ( 1974 ) … و على كل حال تخيلوا أني كنت في مركز متقدم من مراكز الطب النفسي في فرنسا تركته لأجد نفسي في معمار أكل عليه الدهر و شرب ، إنه الجناح ( 36 ) من المستشفى، نستضيء في منعرجاته بالشمع ، استنكف الممرضون مما يعانون فاحتال كل واحد بوسيلة للتسلل منه ، أما المرضى النفسيون فلا تسأل عن مبلغ عنفهم و هذيانهم ، أما الأدوية و حقن التهدئة فمن القلة بمكان . فعلى كل حال كانت الوضعية قلقة و كان علينا أن نبحث عن طرق تحسينها مهما كلف ذلك من ثمن . و اليوم و أنا أقارن بين ماضي المؤسسة النفسية و حالتها الراهنة أجدني على كل حال مرتاحا شيئا ما فكل صعب على الشباب الذي كناه يهون ، و ها هو ذا منجزنا الجامع بين الضروري و الحاجي بين يدي الجيل الجديد ، فعليه أن يدمغه ببصمته إذ لا حد للتمام و الكمال) ( 2 )
( ط . م . )
*************************
الإحالات :
(1) : عبدالله العروي ، استبانة ، المركز الثقافي للكتاب ، ط : 1 ، 2016 ، ص :83 . (2) : أنظر مجلة زمان ، بالفرنسية ، عدد : دجنبر 2024