“كنا قد نشرنا الجزء الأول من هذه المقالة التي يرصد فيها خوان غويتصلو بعض الجزئيات الدقيقة المتعلقة بالحياة داخل فضاء سينما “إدن” بحي “القنارية .ونقدم فيما يلي الجزء الثاني والأخير من المقالة :
في نهاية الحصة، عندما يخرج الجمهور إلى الشارع، يلقي عدد كبير من المتفرجين الذين لا يزالون – في حالة ذهول، نظرة أخيرة على إعلانات الأفلام التي شاهدوها منذ وهلة، فكأنهم يحاولون التأكد من حقيقة العالم الزائل الذي نقلوا إليه والذي .كفوا بغثة عن التواجد فيه. تحتوي العروض العادية على شرطين: واحد ميلودرامي، وآخر للكاراطي. يعوض الأخير في بعض الاحيان بشريط أمريكي عن رعاة البقر، والأول شريط خلاعي تفه، حذفت منه مجموعة اللقطات مما يُمكّن للمار في الشارع أن يخمن نوع الفيلم المعروض: يخمنه من فرقعات الرشاشات، وأزيز الرصاص التي قد توقظ بسهولة رجلا آصم، من اناة اللذة الصادرة عن الممثلة التي تقوم بالخدمة في لباسها القصير، أناة تمتزج بزئير الجمهور المشتعلة غيرة ؛ ومن نغم عذب يستلفت الإنتباه بسبب الصوت – الحاد الذي يكشف عن عزلة بطلة الشريط الهندي وعن حنينها.
أما رواد سينما إدن، فيستطيعون الانتقال من عنف الشريط الامريكي أو التيواني إلى جو الانتاج السينمائي الهندي المنعم بالسحر والخوارق. وصاحب السينما، كما هو في علم سكان المدينة، هو نفسه صاحب سينما “ريجان” الواقعة في جهة جيليز الاوربية. هكذا ينتقل رجل قصير القامة ونحيل من الصعب تحديد سنه ، كل يوم على دراجة نارية من بين القاعتين حاملا معه الأشرطة ما بين بث الشريطين.
ولقد أصبحت دمته مضربا للأمثال، إذ تعرض الأشرطة التي يحملها من سينما “ريجان” الى “إدن” في موعدها المحدد . إلا أنه ذات يوم، لم يصل الرسول إلى مكانه المقصود ، لأنه كما علمناه فيما بعد، تعرض لحادثة سير خلال قطعه المسافة بين القاعتين. بيد أن مشاهد الشريط الهندي لم تظهر على الشاشة، كانت قلة الصبر تحول المتفرجين الخائبين إلى بحر هائج ؛ كان الصراخ يزداد حدة وكذلك التصفير والزعيق، لدرجة أن بعض الشبان كانوا يهددون بتخريب المحل.
وإزاء مشكلة مواجهة حركة العصيان الحرجة أو اللجوء الى إخبار الشرطة، ما كان من المسؤول إلا أن اعتلى الخشبة وواجه الجمهور : الشريط الهندي غير حاضر، لكن عوضا عنه، فإنه يقترح على الحاضرين شريطا آخر يتناسب مع أذواقهم, شريط عن قطاع الطرق أو عن رعاة البقر، إلا أن الحضور، غير آبهين بالاقتراح الذي قدم لهم وهائجين، كانوا يضربون بطريقة منتظمة على الأظهر الخشبية للمتكات، مرددين «هندي هندي!».
لم تكن لا الوعود ولا التعنتر مجدية حيال هذا الحشد العرم المحروم من فيلمه المفضل. وبعد عدد من المتأمرين والاستفتاءات التي كانت أكثر شباكا من محاورات السلام في جينيف، توصلت الأطراف المعنية إلى اتفاق ملائم : سيتبرع على كل شخص من الحاضرين بتذكرة ويحضرون في اليوم التالي لمشاهدة الفيلم مجانا . وهم بذلك حلوا أزمة لن تستطيع أسماء صانعي السلام التاريخي، الذين لهم فعالية أكبر من فعالية الأمين العام لمنظمة الأمم – المتحدة ومن فعالية الممثل الموقر للجماعة الاوربية في صراع البلقان الراهن.
الجزء الأول :