كتبها الدكتور أسامة شعبان
*بسم الله الرّحمـٰن الرّحيم*
1- نَعم، لا تَسَلِ القلوب: بمَ تشعر؟! عندما تقترب المناسبة الأكثر حبًّا والتصاقًا بالأرواح عند المسلمين قاطبةً… *أيّها المحتفل بمولد الحبيب عليه الصّلاة والسلام.. يا حامل الرّاية، تقدّم.. اخترق.. تسلّق.. ازرعها في أعلى قِمّة: “واشوقاهُ رسولَ الله”*.
2- تعظيم النّبيّ محمّد عليه الصّلاة والسّلام إلى القدْر الّذي يليق به ويستحقّه هو فرض من الله، وليس إطراءً زائدًا مبالغًا فيه منهيًّا عنه. نحتفل الاثنين بيوم مولده، وإن كان عليه الصّلاة والسّلام توفّي أيضًا يوم الاثنين، فلا يعيب أمّة محمّد عليه الصّلاة والسّلام أن تحتفل، فكما أنّ موته عليه الصّلاة والسّلام لنا عِبرة، فكذلك مولده لنا فرحةٌ، ومناسبةٌ لتعريف المسلمين بخصال نبيّهم وخِلاله ونواله وجلاله وإفضاله، وزيادة الحبّ فيه، وتجديد الولاء والانتماء والفداء له، بالإضافة إلى تعريف غير المسلمين بحقيقة دعوة النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام؛ أملًا في دخول بعضهم الإسلام، وعملًا بتبرئته من الأباطيل والأضاليل، وإبعاد الكُرْه عنه والإشاعات المغرضة البعيدة عن الصّدق والحقّ.
3- أجدادنا وأهلونا، جَرْيًا على عمل استحسنه العلماء، اهتمّوا بقراءة المولد النّبويّ الشّريف، في شهر المولد وفي كل شهور العام، حالَ كلّ مناسبة سعيدة، عند النّجاحات الكبيرة، وعند الرّجوع من السّفر الميمون، وعند الشّفاء من مرض عُضال… وكلنا مطالبون بألّا نحرم أنفسنا من هذا الخير العميم، والأجر العظيم، وهذه العادة الحلوة، والسُّنّة الحسنة.
4- هل أدركنا ثمرة قراءة المولد النّبويّ الشّريف كلّ سنة، على اختلاف مناسباتنا؟! لا يُنكر ذلك غير أعْمى وأعْشى، ففي كلّ مرّة، تحلّ أنوار البركات، وتظهر معالم الفرَج، وينتشر الخير، بسببه وعلى نيّته، عليه الصّلاة والسّلام.
5- قالَ الإمامُ السّيوطيُّ مما فتحَ اللهُ عليهِ في فضلِ قراءةِ قصّةِ المولدِ في كتابهِ “الوسائلُ في شرحِ الشّمائل”: “ما مِن بيتٍ أو مسجدٍ أو محلّةٍ قرئَ فيه مولدُ الرّسولِ [صلّى اللهُ عليهِ وسلّم] إلّا حفَّت الملائكةُ بذلكَ المكانِ، وعمَّهم اللهُ بالرّحمةِ، والملائكةُ يدعونَ لهم بالخير. وما من مسلمٍ قرئَ في بيتِه مولدُ النّبيِّ إلا رفعَ اللهُ القحطَ والوباءَ والحرقَ والآفاتِ والبليّاتِ والنكباتِ والبغضَ والحسدَ وعينَ السّوءِ واللّصوصَ عن أهلِ ذلك البيتِ، فإذا ماتَ هوَّنَ اللهُ عليهِ جوابَ منكرٍ ونكيرٍ، وكانَ في مقعَدِ صدقٍ عند مليكٍ مقتدرٍ ، لأنّه يُظهرُ الحبَّ والفرحَ لسيّدِنا محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم”.
6- لماذا نُحبّه؟! لأنّه أهلٌ للحُبّ، ولمزيد الحبّ، وما زلنا في أوّل كتاب الحبّ نتعلّم سطور الوئام والهُيام. كيف نحبّه أكثر؟! عندما يكون كلامه مسموعًا قبل كلام أيّ إنسان، وعندما لا نرضى بغيره عنه بدلًا وقائدًا ومرشدًا ودليلًا حقيقيًّا إلى جنان الله. كيف نظهر حبَّه؟! عندما نكون صورة مشرّفة عن صدق اتّباعه، عندما نعيش ذكريات محطّات سيرته؛ معظّمين لها، ناشرين لمعانيها، مستفيدين من دروسها… وعندما نحتفل بمولده الشّريف على ما يحبّ الله.. إنّها فرحة الكون ببُشريات هـٰذه المناسبة الاستثنائيّة.. ناهِيكَ من فرحة!
7- ماذا في احتفال مولده عليه الصّلاة والسّلام؟ جميلُ خير، وجزيل أجر… إحسان صدقات، وقراءة قرءان وابتهالات، وتعليقُ النّاس بسيرته ومسيرته وصافي سريرته، وتجديد الحبّ له صلّى الله عليه وسلّم. فما هـٰذا الشّغَف لذكرى المولد! وما هـٰذه الطّاقة الّتي تبعثها فينا هـٰذه المناسبة، على اقتحام دروب البِرّ، ونشر ثقافة مشاركة الخير مع الآخَرين، إحياءً للتّراثيّات الإسلاميّة العريقة!
8- انظر إلى ما فعل الحُبّ بنا! ننتظر المناسبة البُشرى شوقًا وتوقًا من العام إلى العام… كيف ولماذا؟!… فرحة تضجّ بها الدّواخل والسّرائر، وتوزّع على النّاس بكرَم، فرحة من الصّعب أن توصف: مشاعر حبّ مع حنين، مغلفة برهبة وهيبة، معطّرة بألوان الجمال، متغلغلة في الشّرايين، محفورة في القلب، مع دمعات أشواق وأمنيّات. فرحة فرديّة وجماعيّة، ودليلُهم ماءٌ يترقرق في عيونهم، فرحة هي قصّة كبيرة تشوّق كلّ المحبّين العاشقين، يكون فيها الفرحان الولهان الهيمان هو الفاعل والمفعول به والمبتدأ والخبر والمضاف إليه.
9- لعلّ أصدق ما يقال في احتفال المسلم بمولد نبيّه عليه الصّلاة والسّلام: هو شُكْرٌ متجدّد لله، هو حادي الرّوح إلى حبّ الحبيب، وإلى بلاد الحبّ والفرح والأنس… وسَلُوا أهلَ المدينة المنوّرة عنها: هل يرضون بها بدلًا؟ ماذا يشعرون عندما يغادرونها؟ كيف يأكلهم الشّوق لتعجيل الرّجوع إليها؟ *وقد صدق مَن قال: “مَن جاور السّعيد سَعِد”*.
د. ش. أسامة شعبان