خاص بالمراكشية
أشير منذ البداية إلى الحقبة الزمنية التي أطرت هذه الذكريات، يتعلق الأمر بالست سنوات الأولى من الاستقلال تقريبا، وبالتحديد من فاتح أكتوبر سنة 1955 ألى 30 يونيو سنة 1961، لأن هذه الفترة كان فيها كاتب هذه السطور شاهد عيان، يتابع دراسته بالجامعة المذكورة، ويشارك في النشاط الطلابي بها.
1- مستويات التعليم في جامعة ابن يوسف.
تتوفر الجامعة اليوسفية في بداية هذه الفترة على ثلاثة مستويات تعليمية يعتبر كل منها بمثابة كلية، أو معهد. الطور الأول ومدته ثلاث سنوات، ينتهي بشهادة الطور الأول، والمعهد الثانوي ومدته ست سنوات، تختم الثلاث سنوات الأولى منه بالشهادة الثانوية الأولي، وينتهي السلك الثاني منه بالشهادة الثانوية الثانية. والطور النهائي ومدته ثلاث سنوات يحصل الطالب في نهايته على شهادة العالمية، إلا أن هذا الطور النهائي انقرض في السنوات الأخيرة منذ هذه الفترة.
-2- مقر الدراسة بالجامعة اليوسفية
كان مقر الدراسة في بداية هذه الفترة منحصرا في جامع ابن يوسف، الذي تنتشر حلقات الدرس فيه، وتوجد به قاعة مستقلة في الزاوية الجنوبية تسمى القبة السليمانية على شكل فصل دراسي: سبورة، ومقاعد تخصص لدروس الحساب والجغرافية والتاريخ. ومع تزايد أعداد الطلبة انضافت للجامع المذكور، جوامع أخرى كجامع المواسين، والكتبية، وفي أثناء هذه الفترة انتقل السلك الثاني من الثانوي إلى دار العمراني بالبرادعيين باب الخميس، ثم انتقل المعهد الثانوي المذكور إلى دار البارود، وبقي الطور الأول في الجوامع، ثم أنشئ هد الثانوي للفتيات بدار المنبهي قرب جامع ابن يوسف بالباروديين.
-3-السير الإداري والتروبي للجامعة.
يسير الجامعة اليوسفية في بداية هذه الفترة، رئس ونائب للرئيس، ومراقب للدروس، وعدد من أعضاء المجلس العلمي المكلفين بمهام لانعرفها على وجـه التحديد، إلى جانب بعض الكتاب والأعوان. ومع تزايد أعداد الطلبة، وظهور فروع للجامعة في المساجد أو الدور، تم تعيين مكلف بكل فرع لمراقبته، وكانت الإدارة في مستهل هذه الفترة – مقيمة بمقر بلاصق جامع يوسف له باب يفضي إلى الجامع، ثم انتقلت إلى مقر عن الجامع ساحة زاوية الحضر، بعد أن انتقلت منه نظارة الأحباس إلى روض العروس، ثم استقرت الإدارة بعد ذلك في دار البارود. أما طاقم التدريس في جميع أطوار التعليم هذه الجامعة فقد كان مكونا من أساتذة مغاربة حاصلين على العالمية، ثم انضاف إليهم منتصف هذه الفترة أحد علماء شنقيط وبعثة من المدرسين العرب من لبنان ومصر لتدريس العلوم الطبيعية والتجريبية والرياضية إلى جانب عدد من المعلمين المغاربة يدرسون اللغة الفرنسية، أما المواد الدراسية فكانت مقتصرة في البداية على العلوم اللغوية والشرعية وشيء من الحساب والتاريخ والجغرافية، ثم انضافت إليه – في مرحلة لاحقة مواد المطالعة والنصوص الأدبية والتربية الخلقية والرياضيات والفيزياء والكيمياء والطبيعيات وظل النحو يحضى بالأولوية، وليس هناك كبير فرق في ذلك بين الشعبتين الشرعية والأدبية.
وتجدر الإشارة إلى أن مقررات معظم المواد كانت في شكل كتب من المتون والشروح والحواشي في أول هذه الفترة ثم أخذت تحل محلها شيئا فشيئا ملخصات الدروس عليها الأساتذة من تلك الكتب المقررة بدلا من إحضار تلك الكتب وسردها اثناء الدرس أو في خاتمته.
وكانت أيام الدراسة من السبت إلى الأربعاء، وكانت العطلة الأسبوعية يومي الخميس والجمعة خلافا لما كان عليه الأمر في بقية أنواع التعليم والإدارة العمومية التي تعطل كلها مساء السبت ويوم الأحد.
وكان الطلبة الذين يلتحقون بالجامعة خلال هذه الفترة، مختلفي الأعمار، والمستويات الدراسية، ونوع التعليم ويمكن تصنيفهم كما يلي: تلاميذ الكتاتيب القرانية (الحضارات) من الذين حفظوا القرآن كلا أو بعضا وحفظوا بعض المتون الأساسية في قواعد اللغة والفقه