ازدواجية معايير”، “كيلٌ بمكيالين”، و”رفض للتمييز”… بهذه التعابير، انتقد رياضيون عرب الهيئات الرياضية الدولية إثر فرض عقوبات على روسيا على خلفية غزوها لأوكرانيا، معتبرين أن تلك التدابير تناقض شعار عدم إقحام السياسة بالرياضة الذي ترفعه منذ سنوات.
في أعقاب تتويجه ببطولة أوبتاسيا للاسكواش مؤخراً في لندن، قال اللاعب المصري علي فرج المصّنف ثانياً عالمياً، “لم يكن مسموحاً لنا من قبل خلط السياسة مع الرياضة، ولكن فجأة الآن أصبح مسموحاً. لعلّ الناس ينظرون إلى الاضطهاد الذي يحدث في كل مكان في العالم”.
وتابع “الشعب الفلسطيني يعاني منذ 74 عاماً (…). طالما نستطيع الحديث الآن عن الأوكرانيين، يمكننا بالتالي الحديث عن الفلسطينيين أيضاً”.
بعد أربعة أيام من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدء هجوم قواته على أوكرانيا، كرّت سبحة عقوبات رياضية على موسكو.
اتخذ الاتحادان الدولي (فيفا) والأوروبي (ويفا) لكرة القدم قرارات صارمة بإقصاء المنتخب الروسي لكرة القدم عن الملحق المؤهل لمونديال قطر 2022. ألغيت جائزة روسيا الكبرى للفورمولا واحد، وتمّ تجريد مدينة سان بطرسبورغ من استضافة نهائي دوري أبطال أوروبا في كرة القدم.
على المنابر الرياضية، جاهر كثيرون بتضامنهم مع أوكرانيا، وسُمح بحملات تضامن عبرها، في صورة لم تكن مألوفة في الرياضة من قبل.
وينظر رياضيون عرب كثيرون إلى الغزو الروسي لأوكرانيا على أنه يشبه “الاحتلال” الإسرائيلي لأراض فلسطينية، والعمليات العسكرية المتكررة ضد الفلسطينيين. ويشيرون إلى أنهم تعرضوا لعقوبات في أحيان كثيرة أو للانتقاد، عندما جاهروا بتضامنهم مع الفلسطينيين.
عندما وضع اللاعبون في الدوري الإنكليزي الممتاز شارات علم أوكرانيا على زنودهم، أو وقفوا دقيقة صمت تكريماً لضحايا حرب أوكرانيا قبيل انطلاق المباراة، لم يعترض أحد، بل على العكس، لاقوا تأييداً.
“تمييز”
لكن ذلك استفزّ رياضيين اعتبروا أن هناك تمييزاً بين القضايا الإنسانية والحقوقية.
وقال الدولي السابق المصري محمد أبو تريكة تعليقاً على قرار فيفا تعليق مشاركة روسيا، في تغريدة عبر حسابه على تويتر، “قرار منع الأندية الروسية والمنتخبات من المشاركة في كافة البطولات يجب أن يترافق مع منع مشاركة الأندية والمنتخبات التابعة للكيان الصهيوني.. لكنكم تكيلون بمكيالين”.
ورفض لاعب وسط منتخب فلسطين محمد باسم الوقوف مع فريقه برسيب باندونغ الإندونيسي خلف لافتة مكتوب عليها “أوقفوا الحرب” في أوكرانيا. وقال “أنا ضد أي حرب في أي دولة، لكن في فلسطين الناس تموت كل يوم.. عندما وقعت الحرب في بلد غربي وقفت الناس كلها معه، لكن عندما تموت الناس في فلسطين لا يُسمح لنا بالتضامن معها ونتهم بالخلط بين السياسة والرياضة.. تشعر بأن حياتك أرخص من حياة الناس في الغرب”.
ولم يقتصر الأمر على رياضيين عرب. فقد رفض أخيراً لاعب أرضروم سبور التركي إيكوت دمير ارتداء قميص “لا للحرب” على غرار زملائه، موضحاً لموقع “فوتبول أناضولو” أن كثيرين “يموتون كل يوم في الشرق الأوسط. أولئك الذين يتجاهلون الاضطهاد هناك يفعلون هذه الأشياء عندما يتعلق الأمر بأوروبا”.
“تناقض”
ويقول الباحث في معهد الشرق الأوسط والمحلل من جامعة “اس راجارتنام” للدراسات الدولية في سنغافورة جيمس دورسي لوكالة فرانس برس “حظرت الهيئات الرياضية الدولية بما في ذلك فيفا، أي تعبير سياسي أو ديني في المجال الرياضي. وما فعلوه الآن هو أنهم رفعوا ذلك عن أوكرانيا. هناك فلسطين طبعاً، ولكن ماذا عن اليمن؟ سوريا؟ ليبيا؟”.
ويتوقف رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم جبريل الرجوب عند الاختلاف في التعامل، ويقول لوكالة فرانس برس “الجيش الإسرائيلي يعيق حركة الرياضيين الفلسطينيين، سواء في الضفة الغربية أو ما بين قطاع غزة والضفة الغربية، وحركتنا الرياضية مرهونة بمزاج القائد العسكري الإسرائيلي”.
ويضيف “المطلوب من فيفا أن يؤكد التزامه بتطبيق القوانين بشكل متساو. هناك أندية إسرائيلية مسجّلة لدى الاتحاد الإسرائيلي تلعب ومسجلة في أراض محتلة منذ العام 1967 (…)، وهذا يتنافى مع قوانين الأمم المتحدة نفسها، والاتحاد الدولي لا يحرك ساكناً”.
ولطالما كان اللاعبون العرب يلتزمون الحذر الشديد في المحافل الدولية، خلال مواجهات يتواجد فيها لاعبون إسرائيليون، إذ إن أي تمنّع أو رفض لمواجهة أو حتى مصافحة لاعب إسرائيلي، تؤدي بهم حكماً إلى عقوبات.
ففي الدور التمهيدي الثالث لمسابقة دوري أبطال أوروبا لموسم 2014، رفض نجم ليفربول الإنكليزي المصري محمد صلاح مصافحة لاعبي فريق مكابي تل أبيب حين كان لاعباً في فريق بازل السويسري، وتعلّل وقتها بتغيير حذائه. وفي نهاية المباراة أسرع صلاح إلى غرفة تبديل الملابس دون أن يصافح أو يبدّل قميصه مع أي من اللاعبين. وفي مباراة العودة في تل أبيب، رفض أيضاً مصافحة لاعبي مكابي بشكل تقليدي وقام بمصافحتهم بقبضة يده، ما عرّضه لانتقادات في وسائل الإعلام الإسرائيلية.
في تموز/يوليو 2021، وخلال أولمبياد طوكيو الصيفي، سحبت اللجنة الأولمبية الجزائرية اعتمادي لاعب الجودو فتحي نورين ومدربه عمار بن خليف، ليتم ترحيلهما إلى بلادهما بعد إيقافهما موقتاً من جانب الاتحاد الدولي للعبة لرفض الأول مواجهة لاعب إسرائيلي.
الرياضة والسياسة مرتبطتان
وأعلن نورين حينها في تصريح لقناة جزائرية محلية انسحابه لأن “القضية الفلسطينية أكبر من هذه الأمور وهذا قرار لا رجعة فيه”، فأعلنت اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي للجودو عقبها إيقافه عشر سنوات.
وأعلن اتحاد اللعبة نفسه مؤخرا “تعليق” الرئاسة الفخرية لبوتين ومنصبه كسفير للاتحاد “نظراً للنزاع الحالي في أوكرانيا”، فطالب نورين بعد غزو أوكرانيا بإعادة النظر في عقوبته.
ويحذّر دورسي من اعتماد “المعايير المزدوجة”، مشيرا الى الفيفا بالقول “كن حذراً لأنك تجلس في منزل من زجاج”.
ويرى أن “الفكرة التي تقول إن السياسة والرياضة منفصلتان خيالية. هما توأمان ملتصقان. وطالما أنك تنكر هذه العلاقة وتتصرف وكأنها غير موجودة، فإنك تُمكِّن الفساد، سواء كان ذلك فساداً مالياً أو سياسياً”.
ويخلص إلى أن “الحلّ الوحيد هو الاعتراف بوجود تلك العلاقة”.