عبد الصمد الكباص … أرشيف المراكشية
قبل سنوات وزع سيمون كزافييه كيراند هرمس مليون وردة على المارة بشارع محمد الخامس بمناسبة إطلاق حملة تسويق مشروع ” هولدينغ هرمس ” بمراكش ” مربع عدن” الذي بني على أنقاض سوق جيليز .
هرمس الذي تتحرك خلفه الملايير من الأوروات كان من الأوائل من كبار أثرياء العالم الذين اكتشفوا سحر الإقامة داخل المدينة العتيقة ، و وسط سكانها و بجوار منازلهم . لم يختر الانعزال بقصر تحميه غابة النخيل في وسط هادئ و محروس خصص أصلا ليكون جناحا خاصا لأثرياء العالم بمراكش . بل اختار الإقامة بحي تاريخي و شعبي مكتظ بالسكان و له رمزيته لدى أهالي المدينة العتيقة برياض ينتصب كقلعة في قلب الزاوية العباسية على بعد أمتار قليلة جدا من ضريح أبي العباس السبتي أحد رجالات مراكش السبعة . صرف من أجل إصلاحه و صيانته و تحسين شروط الرفاه و الفخامة به ملايين من الدولارات .
في هذا الرياض الشاسع جدا كقصر ، و المرتفع فوق قباب ضريح سيدي بلعباس كحصن منيع ، يعقد هرمس عشاءات خاصة و حفلات فخمة تحضرها شخصيات من طينة أولئك الذين يحركون العالم بكامله و يتصرفون في مصيره . أثناء عبورهم من الممرات الضيقة المؤدية إلى هذا الرياض قد تتماس أكتافهم بأكتاف مراكشيين بسطاء من جيران هيرمس أو الذين يتقاسمون معه نفس الحي ، لكن دون أن يدرك هؤلاء القيمة المالية و السياسية و الفنية للأوائل . . ذلك سحر آخر من سحر مراكش العتيقة : أن يتواجد من هم في قمة المجد و الثراء و النفوذ عالميا جنبا إلى جنب مع من هم أكثر بساطة و أقل حيلة ، دون أن يحدث ذلك أي اصطدام أو تشنج .
ينضاف اسم جان رونيه فورتو رئيس مجلس المراقبة لمجموعة فيفاندي إلى قائمة عشاق مراكش . و على بعد 10 كليموترات تقريبا من مركز المدينة في اتجاه منطقة العكاري ، و غير بعيد عن قصر نماسكار ، شيد فورتو إقامة هادئة سماها ” دار الصداقة ” التي يستغلها ابنه كفضاء ثقافي لإنجاز و تقديم أعماله في النحت . لكن جان روني فورتو ، حاله كحال عدد من عشاق المدينة الحمراء من المشاهير و الأثرياء ، لا يرتبطون بها كسياح عابرين يستمتعون بأجوائها و ينصرفون . بل يرسخون حضورهم فيها بأثر حي . حيث أن الرجل أنشأ مؤسسة تعنى بدعم المشاريع الثقافية ، و من أهم التظاهرات التي تحظى بدعم المؤسسة مهرجان ” أوال ناغ ” لفنون الشارع ، جريا على تلك السنة التي رسخها بعض الشخصيات العالمية الهامة التي استهوتها مراكش و أقامت بها لفترة معينة ، فعملت على خلق ما يجعل من عشقها للمدينة و إقامتها بها انتماء حقيقيا لها . ذلك ماقام به جاك ماجوريل بعد أن خلف وراءه حديقته الشهيرة التي تعد اليوم لوحدها معلمة فنية تستقطب سنويا آلاف الزوار من مختلف أنحاء العالم . و ماقام به إيف سان لوران و بيير بيرجي عندما أنقذا هذه المعلمة من الزوال بعد أن كان خطر تحولها إلى مشروع عقاري يهددها . و ماقام به الهولندي بيرت فلينت عندما أسس متحف تسكوين و أغنى محتوياته ليهديه إلى جامعة القاضي عياض ، و ما قامت به السويسرية سوزانا بييدرمان مهندسة الفضاءات الداخلية و جامعة التحف و المهندس ماكس إليوت اللذين أحييا مجد مستشفى الطير ” دار بلارج ” قرب مسجد ابن يوسف ، الذي كان يمثل نصبا حضاريا طريفا بمراكش ، لكونه ظل يشتغل إلى غاية 1930 كمستشفى لعلاج طائر اللقلاق ، ليتم تهديمه بعد ذلك و تحويله إلى محل سكني اشتهر بدار الرغاي . و بعد 1950 و إلى 1985 استغل فضاؤه كمدرسة ، ليترك إلى قدره في حالة مزرية بعد هجره ، و تحوله إلى أنقاض متلاشية ، إلى أن اقتنته سوزانا و إليوت سنة 1996 ، و استثمرا فيه أموال هامة لإعادة الحياة فيه كمؤسسة ثقافية للفنون الحية التي تباشر مهمتها اليوم في ارتباط مباشر بالسكان حتى بعد وفاة مؤسسيها …
إيف سان لوران المتوفى سنة 2008 ، الممثل الفرنسي جان لوفيبر المتوفى سنة 2004 ، المصمم دانييل هيشتر، الكاتب دانييل هوريس ، نجم كرة القدم زين الدين زيدان ، المنتج الفني كلود شال ، مبتكر العطور سيرج لوتنس ، السينتور بوليت بريسيبير ، ريشار برانسون صاحب سلسلة فرجين و شركة الطيران و المشهور بمنطاده و قلعته بأسني قرب مراكش ، المنتجة التلفزيونية ميراي دوما ، و باسكال غريغوري ، المخرج السينمائي جاك دوايون ، و جان بونياتوفسكي ، و الوزير السابق تيري دوبوسي ، و مصمم الأزياء جان بول غوتيي ، و بيير بيرجي ، و بيير غييرمو الرئيس المدير العام لمجموعة تيليميديا ، و جان رونيه فورتو رئيس مجلس المراقبة لشركة فيفاندي ، و الممثل جيرار لانفان ، و جمال الدبوز ، و جاد المالح ، و الوزير السابق جان لويس بورلو ، و الصحفية شونبيرغ ، و دومنيك سترواس كان الوزير السابق و المدير العام الأسبق لصندوق النقد الدولي ، و الصحفية آن سنكلير ، و برنار هنري ليفي ، و نيكولا سركوزي ، و أمير قطر ، و عائلة الرئيس الغابوني علي بانغو …أسماء كثيرة تتزاحم تحت سماء مراكش من كبار المشاهير و النجوم ، تصحبها أموال ضخمة و تتحرك معها الملايير، و تتناسل حولها الأخبار و الإشاعات ، لتمنح المدينة الحمراء ما كان قد أسماه الروائي السوداني طيب صالح بكيانها الأسطوري ، و الذي يعني به ما يتبقى من المدينة في روح زوارها بعد أن يكونوا قد غادروها إلى البعيد ، وما يحملونه منها معهم من أحلام و ذكريات و أفراح .. تلك الأضواء التي تضرب في ذاكرة العين ، و الروائح و الألوان و الأصوات حتى الوجوه .. مراكش هكذا بالنسبة لهؤلاء ، سحر و غواية و متعة و حكاية . أسوار تتعالى لتخفي حيوات في منتهى التنوع و الاختلاف إلى حد التناقض ، لتتحول المدينة إلى انتصار حقيقي على الفناء ، كل خطوة منها غيمة تمطر حلما ، و كل ركن فيها شمس تتكئ على كتف من يتذوقها بافتتان .