*بسم الله الرحمٰن الرحيم*
1- لم يرسم الصحابةُ الكرام رضوان الله عليهم رسولَ الله محمدًا عليه الصلاة والسلام، فلا خير فيه إذ لم يجدوا ضرورةً له، مع أن الرسم والنحت كانا معروفين لدى العرب، فقد رُسم إسماعيل عليه السلام بحسَب تخيّلهم، ووُضعت الصورة عند الكعبة، لإيهام الناس أنه كان يستقسم بالأزلام (الخِيْرَة)، عِلاوةً على صناعة الأصنام على تنوع أشكالها ومادّتها.
2- إنّ تعمّد ترك رسم صورة وجه النبي محمد عليه الصلاة والسلام ذو دلائل واضحة وأبعاد كثيرة، فهو بالأساس عمل غير مستحبّ، وقد حرّم العلماء رسم صورة النبي عليه الصلاة والسلام، وجاء الإسلام منفّرًا من الأوثان، ومحاربًا للأصنام، وحربًا على الطواغيت من الشياطين الذين يدخلون المجسّمات الصنمية الجاهلية ويتكلمون من داخلها. الإسلام ينفّر من رسم الأشخاص المحتمل توثينهم، في تناسب نسَقي منطقي مع المفهوم الإيماني البعيد عن الوثنية (أول كفر في الأرض بدأ بوسوسة إبليس لبعض البشر بعمل صور لخمسة أولياء، ثم بالتلبيس على أبنائهم بعمل أوثان لهم، ثم على أحفادهم بعبادتهم، فأرسل اللهُ نوحًا عليه السلام بعد آدم وشيث وإدريس عليهم السلام أولَ نبي إلى قوم كافرين).
3- إن من المعلوم من الدين بالضرورة كراهة تخييل شخص النبي الشريف الكريم بالصور؛ مرسومة ثابثة أو متحركة، بجِرْم وظل (تمثال) أو من دُونه، وذلك خشية الامتهان؛ فماذا يكون لو أن أعداء المسلمين تعرضوا لصورته الحقيقية عليه الصلاة والسلام بالدوس والتقذير !؟ سيكون شبيهًا بردة فعلهم عندما يُتعرض للمصحف الشريف. فالمسلمون المحمديون استشاطوا غضبًا في كل الدنيا عندما رسمت الأيدي الآثمة صورًا هزلية (كاريكاتورية) استهزائية للنبي محمد عليه الصلاة والسلام… ولا يزال الغضب…
4- إن تخيّل وجه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يَفتحُ أمداءً من الشوق المُلِحّ، ويُطلقُ خيالاتٍ من التصوّر دُونَها الكون الرحيب، ويفعل ما يفعل في وجدان المحبّ المتلهف لمَلْقى الحبيب وطلّته البهية… ومَنْ لِصَبرِ القلوب التوّاقة المشتاقة العطشانة، بأُمنيّات لا تشيخ ولا تذوب ولا تتلاشى!
5- هي المشاعر تتقلّب على جمر الشوق كأنها أبيات شاعر ثائر.. كأنها رسوم خطّاط، نافرةً مرة، وغائرةً مرات، مزخرفةٌ بنثار الذهب.. كأنها طائر الهوى حمام الزاجل يحمل بريد السلام ومعاني الغرام وأُوار الهُيام، ويعود بقصص الجوار واللقاء والتواصل والهناء.. كأنها مِرجَلُ زيتٍ مُذاب أُعدّ لمنجنيق معركة حاسمة..
6- هذا ومع أن وصفَ الحبيب الخَلْقيَّ محمد عليه الصلاة والسلام هو واحد.. كلُّ عاشق له يتخيّله بتخيّل خاصّ، يجمع أوصافه من القرآن وما نعَتَه به أصحابه في خَلْطة مخضَّبة معطّرة مجمَّلة لأكمل ما ترى العينان من خَلْقٍ خلَقَه الله وبرأه. فالتعريف بنبي الإسلام من خلال توصيفه بذكر شمائله وفضائله أكثرُ ارتباطًا قلبيًّا بنسج صورة جماله في المخيِّلة من مجرد النظر إلى صورة مرسومة على ورقة أو نحوه.
7- إنّ الولهان اللهفان الهيمان يطالب بتكرار ذكر وصف خير العالمين لعلّه يراه بأذنيه! وإنّ مَبْلغ الحسن في وجهه بلغ حدَّ أن الورى هامت من وصف حاكي أوصافه، فكيف برؤية وجهه عيانًا؟! ولقد كان الصحابة الميامين يعبّرون عن حقيقة ما يخالج دواخلَهم من عواطف المحبة عندما يلتقون فخرَ ربيعة ومُضَر. أما التابعون ومَن بعدَهم فأمنيّة حيواتهم أن يروا في رؤاهم المنامية نبيّهم ومخلّصهم وشفيعهم بإذن الله، رجاء البشرى بالوفاة على الإيمان بفضل الله.
8- المؤمنون المحبون لا يحتاجون إلى صورة مرسومة لنبيهم حتى يحبّوه ويتّبعوه ويتذكّروه، فصورته مطبوعة في سُويداء الأفئدة وسَواد العيون، يستحضرها المؤمنون في أفراحهم وأتراحهم، حالتَي سرّائهم وضرّائهم، وعند تسنُّنهم سَنَنَ سيرته المُطهّرة المُنوّرة.
9- سيدنا محمد ليس ذا وجه قريب إلى الأنوثة، أمرد بلا لحية، كما في الصورة المشهورة في بعض الكتب، والمنشورة في “الإنترنت”، وليس ذا وجه غليظ عبوس قَمْطَرِير، وليس ذا وجه مقطّبٍ بشعٍ وعينِ قراصنة مغطاة ونظرات شريرة، كما في الرسوم الدانمركية والهولندية والفرنسية.
10- قد تعاهد المسلمون، علماؤهم وعوامّهم، بتوفيق من الله؛ جيلًا بعد جيل، على تهيّب رسم النبي عليه الصلاة والسلام والأنبياء وصحابتهم، وهو أمر سارٍ إلى يومنا هذا، ولم يجرؤ أحدٌ على فعله، ولا التفات إلى بعض المُنَمْنمات المرسومة غير المستندة إلى أصل، والتي تُومِئ إلى تشخيص ما. بل تكاد لا تجد مؤمنًا غير مقتنع بالحكمة من ترك رسم النبي عليه الصلاة والسلام؛ فالحمد لله الذي كفى نبيَّنا المستهزئين ورفع ذكره وأعلى مقامه، وسدّد أتباعَه على سُنّة وهدى، وأرشدهم صَوْبَ الصواب.
*تأمّل كون المسلمين لا يحتاجون صورة مرسومة لنبيهم عليه الصلاة والسلام ليسكبوا دفق محبتهم، بل إن هذا الأمر يزيد ضرام الشوق حبًّا وحنينًا.. تأمّل في روايات الثقاة التي تنقل دقّة وصف الصحابة الذكور من خلال أشهر وصف للنبي على لسان الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام، والصحابيات الإناث من خلال أمّ مَعْبَد رضي الله عنها.. تأمّل كيف يحفظ مَن رأى من المسلمين شكل نبيهم عليه الصلاة والسلام وينطبع ذلك في قلوبهم وينحفر في أخاديد ذاكرتهم مدى العمر.. تأمل دفع المسلمين كلّ ما يملكون لتكحيل عيونهم برؤية حبيبهم لحظةً واحدةً في يقظة الدنيا أو رؤيا مناماتها.. تأمل شوق المسلمين لرؤية نبيهم في الآخرة والتّملّي من وجهه، ولملاقاته ومعانقته وتقبيله وشمّه والتبرك به وسماع صوته وملازمته ومصاحبته..*
*اللهم أرِنا نبيك عليه الصلاة والسلام هذه الليلة وفي كل ليلة على صورته الحقيقية، واجمعنا به في الفراديس العلا على الأرائك متكئين وعلى سرر متقابلين إلى أبد الآبدين*.
د. ش. أسامة شعبان / لبنان
@Dr.Ousama.Shaaban