بقلم الأستاذ محمد الطوكي/ كلية آداب مراكش
يقول محمد بن الموقت عن خصومه : “فمنهم من قنع بحياة ياكل فيها ويشرب وينام، ثم لا ينافس غيره في فضيلة ؛ ولكن متى أمكنه أن يضر أخاه لا يقصر في إلحاق الضرر به، وتراه يتهالك عليه، ويستهزئ به، ويقترف في سبيله كل جرم يرى فيه شفاء نفسه… وكم قاسينا من هذا القبيل”.
محمد ابن الموقت : الجيوش الجرارة ، صفحة 149.
نبذه أهل زمانه، وها هي ذي الرؤى النقدية المعاصرة تعيد له الاعتبار. فمن هي هذه الشخصية الإشكالية القلقة والمُقلقة ؟.
آل الموقت بيت من بيوتات مراكش العلمية، ذات أصول ضاربة في المغرب العميق، استقرت بمراكش، واختصت بخطة توقيت الجامع اليوسفي. يقول مترجمنا عن والده في كتابه : إظهار المحامد في التعريف بمولانا الوالد لما أُكرم برتبة التوقيت سنة1281هـ -1864 م بقي فيها أربعين سنة “. وعندما توفي والده سنة 1911 ميلادية تولى مُترجمنا تلك الخطة عن جدارة، ولبث فيها إلى أن توفي سنة 1949. وهكذا يكون آل الموقت قد استأثروا بتوقيت الجامع اليوسفي قرابة ثلاثة أجيال. ومن ثم لا غرابة إذا غلب لقب الموقت على صاحبنا، علما بأن الرجل منصوص عليه في لائحة علماء ابن يوسف. وعلى كل حال، فهذا الجانب العلمي التربوي باهت في شخصيته ؛ فما وقفنا على من تحمل عنه أو نص على اسمه في إجازة . ولعل هذا الإقلال من اقتعاد منابر التدريس والوعظ، جعله ينصرف إلى بناء مجده العلمي ويؤسسه على التأليف في مجالات علمية متعددة. وبهذا الاعتبار فهو مؤرخ وفقيه وأديب ومتصوف في شطر أول من حياته، سَلفي مُتنور على طريقة الشيخ محمد عبده في الشطر الأخير من حياته المبتدئ من أواخر عشرينيات القرن الماضي.
فمن إبداعاته الأدبية السردية الإصلاحية التي ميزته عن علماء الجامع اليوسفي نذكر:
- الرحلة المراكشية أو مرآة المساوئ الوقتية.
- أصحاب السفينة .
- الرحلة الأخروية.
إن تلقي هذه الأعمال الإبداعية لم يمر بسلام، بل أثار جدلا وردود فعل لدى خاصة المراكشيين وعامتهم ؛ بسبب نقده الجريء واللامهادن لمساوئ أهل زمانه، مما دفع بنخبة منهم – كما يقول الأستاذ عبد الله ساعف- إلى “أن استعدت عليه أعيان المدينة، المدنيين والدينيين جميعا، فطلبوا من السلطان أولا أن يعاقبه ثم رفعوا شكوى ضده إلى مراقبة السلطة القضائية الشريفة، وهي سلطة ممارسة الوصاية الفرنسية على المؤسسات القضائية المغربية، ولكن دون جدوى في كلتا الحالتين.
– محمد بن محمد الموقت : أصحاب السفينة بين السلفية وريادة التحديث في المغرب، عبد الله الساعف وآلان روسيون، مركز البحث والتواصل الثقافي الطبعة الأولى 1998، الصفحة 74.