الصفحة الرئيسيةعامةمراكش الذاكرة

مراكش منتصف الثمانينيات ليست هي مراكش الحالية (1) ..أجهزوا على المدينة لصالح العقار

أرشيف المراكشية (2010) : عبدالله أونين

لا يمكن أن نجحد التغيرات التي عرفتها مراكش خلال العقد الأخير من القرن الذي انصرم والعقد الأول من القرن الجاري ، تغيرات لمست قطاعات عديدة اقتصادية وعمرانية وسياحية وكانت لها تأثيرات واضحة على ما هو اجتماعي وثقافي.

فمراكش منتصف الثمانينيات ليست هي مراكش العشر الأوائل من الألفية الثالثة .

فعلى مستوى الرقعة العقارية امتدت مراكش إلى نقط كانت حتى الأمس القريب تدخل في حيز الحزام الأخضر الذي كان يحيط بالمدينة التاشفينية التي ما إن تأقلمت مع النسيج العمراني الذي خرج عن أسوارها (الداوديات ،الحي الحسني -وقبلهما جليز الذي يعتبر أول نسيج عمراني حديث جاء خارج السور- و سيدي يوسف بنعلي الذي ظل حيا هامشيا للمدينة بالنظر إلى طابع بنائه الذي ارتبط خلال عقود الستنيات بالأحياء الهامشية ). ما إن تأقلمت المدينة المرابطية مع النسيج الإقليمي حتى وجدت نفسها أمام سيل عارم من التجزئات التي أحدثت خارج الأسوار، تجزئات اختار لها منشؤوها أن تكون أبراجا عمودية يتألف معظمها من بيوتات لا تتسع لأكثر من اثنين ، و يحشر بها ما فوق الخمسة أفراد .

وطبع توزيع العقارات نوع من العشوائية والفوضى بشكل لم يراع ما خطط له من اهداف اجتماعية تقوم على توفير السكن اللائق بمعاييره الدقيقة ، فكان أن تقلصت مساحة السكنيات ببعض العمارات إلى أقل من خمسين مترا مربعا ، في الوقت الذي استفاد فيه آخرون من 1000 متر مربع وأكثر، بسبب تدخل مسؤولين نافذين سابقين اتخذوا من توزيع العقارات وسيلة لترضية محظوظين، او خطب ودهم ، في وقت كان من المفروض أن توضع في الحسبان قيمة العقار وخطورة توزيعه بكيفية غير معقلنة ، وكان مختصون عقاريون من الخارج قد زاروا مراكش قبل عشرين سنة ، ووقفوا إذاك على ذلك التباين الصارخ الذي طبع عملية توزيع العقارات السكنية وأبدوا بملاحظاتهم التي لم يؤخذ بها .وتم الاستمرار على ذلك النهج الذي كان وراء إنشاء شقق من طرف خواص لا تتعدى مساحاتها 36 متر مربع ، كما كان وراء الارتفاع الصارخ لثمن المتر الذي كان محدودا في ثلاثين( 30) درهما ليصل إلى 10.000 درهم وما فوق ، وهو ما كان وراء الإعلان الذي جاء متأخرا جدا والذي يخص إعلان مراكش كمدينة مغلقة.

الجانب السلبي الثاني في عملية إعمار مراكش بكيفية غير معقلنة هو توسع الشريحة غير المستفيدة، حيث ظل جل من خلقت من أجلهم المؤسسات المنعشة للعقار دون سكن واستفاد اناس لا علاقة لهم بالسكن الاقتصادي من برامج هذا النوع من السكن، وضاربوا في أثمانه، وساعدهم في ذلك تواطؤات وتغاضي جهات وصية وبذلك فوتت فرص سانحة على أناس كانوا في أمس الحاجة إلى مأوى يقيهم شرور ما هم فيه الان وأغلبهم من صغار الموظفين والحرفيين. والفنادق التي لا زالت تأوي فئات من الشرائح المعدمة خير شاهد على ذلك .

وكان مما احتسب لفائدة الجهات التي أوكلت لها مبادارة (دور المساكن) التي جاءت بقرار ملكي لتنقذ بعضا من ساكنة الفنادق والأحياء الهامشية من براثن السكن غير اللائق ،وكانت بالفعل مبادرة التزمت بأهدافها الاجتماعية الصرفة بعيدة عن أي مرام تجارية برزت من منتصف الثمانينيات وترعرعت في الثمانينات لتبلغ ذروتها في العقد الأخير من القرن المنصرم وبداية العشرية الأولى من الألفية الثالثة .

الجانب السلبي الثالث يتجلى في الإجهاز على الحزام الأخضر لمراكش الذي ظل مشكلا من العرصات و”الجنانات ” الممتدة اطرافها والوارفة أشجارها والمعطاء أرضها بالغلل وكل انواع الخضر حيث كان المراكشيون يعتمدون في توفرها على تلك العرصات ، ذلك الحزام الذي أصابته لعنة السواد الإسمنتي الذي هجم بشكل مثير ومرعب قضى على اليابس والأخضر حتى صارت ” الوردة بين النخيل ” التي كان سكانها ينعمون بتنزهاتهم بها ويتنفسون هواء طيبا بفضل أشجارها ، صارت عبارة عن ذبل يحيط به غول الخرسانة من كل جهة ، واختفت عمائم الأطلس الكبير عن النظر ، وحتى منارة الكتبية التي ظلت تطاول النخل السامق حجبتها ذوات الطوابق الخمس وما فوق عن الأعين التي كانت تهتدي بها من على ما يزيد عن عشرين كيلومترا من مراكش من سائر مداخلها

arArabic