الصفحة الرئيسيةمراكش الذاكرة

معطيات أركيولوجية تشكك في مكان ضريح يوسف بن تاشفين

المراكشية: مصطفى عيشان (أرشيف 2007)

ثلثا سكان مدينة مراكش يجهلون مكان ضريح مؤسس مدينتهم يوسف بن تاشفين. هذا هو مطلع المقال الذي أوردته المراكشية بناء على نتائج استطلاع للرأي حول قبر مؤسس المدينة.


ونحن لا نستغرب لذلك، لكون قبور عظماء مراكش تبقى طي النسيان إلى أن ينبهنا لوجودها الآخر: فقبور ملوك السعديين لولا التنقيبات التي عرفتها الفترة الاستعمارية، لطويها النسيان كما تم مع  قبور كثير من الأعلام الوطنية الفكرية والسياسية. وأما ضريح يوسف ابن تاشفين الذي يظن البعض أنه يعرفه، فقد يخيب ظنه، خصوصا عندما نمعن النظر، ونتسلح بالعلم في الكشف عن حقيقته، بطرح السؤال التالي بداية: ما هي وسائل إثباتنا بأن الضريح الذي نتكلم عنه هو ضريح الرجل؟ هل يكفي أن نصطحب واحد ممن همهم استطلاع الرأي إلى محطة الحافلات سيدي ميمون، ونشير له بالبنان نحو الضريح، ويقتنع؟
عندما نتأمل المستوى الطبوغرافي لضريح يوسف ابن تاشفين الحالي، مقارنة مع طبوغرافية ساحة الكتبية ، وبرجوعنا إلى حالة الردم التي عرفتها هذه الأخيرة قبل الأشغال الاركيولوجية التي نشر جاك مونيي صورها سنة 1952في كتابه Recherches archéologiques a Marrakech ، وعندما نلاحظ انعزال الضريح بالكيفية التي هو عليها، تساورنا بعض الشكوك. إذ كيف يعقل أن يحافظ قبر يعود تاريخه إلى حوالي 1000 سنة بمستوى طبوغرافي أعلى مما أنشأ بعده؟!
لحسم المسألة يجب القيام ببحث اركيولوجي ميزته الجرأة العلمية، وذلك بتأريخ عظام الدفين ووضع فناء الضريح تحث المجهر. إضافة إلى التنقيب في الوثائق التاريخية، وتحليل أرشيف الاشغال البلدية، خصوصا ما يتعلق بفترة الاستعمار الفرنسي.
إن الاهتمام العلمي بضريح يوسف بن تاشفين لا يدخل في إطار تقديس الموتى، بل يدخل في إطار رد الاعتبار لعظيم من عظماء هذا الوطن. ولا نقصد هنا طلب بناء قبة فرعونية كما يرمي إلى ذلك البعض. لأن خصال الرجل تناقض ذلك. فالذين لا يعرفونه نقول: هو يوسف ابن تاشفين بن ابراهيم بن توفيت بن وارتقطين بن منصور بن مصالة بن أمية بن واتلمي بن تامليت الحميري من قبيلة لمتونة الصنهاجية، وأمه بنت عم أبيه فاطمة بنت سير بن يحيى ابن وجاج بن وارتقطين، زوجته زينب النفزاوية التي كان ابن تاشفين رابع ازواجها، والتي كانت سنده في تدبير شون البلاد.
وصفه ابن أبي زرع في كتابه روض القرطاس بكونه أسمر اللون معتدل القامة ، خفيف العارضين ، رقيق الصوت، أكحل العينين، أقنى الأنف، له وفرة تبلغ شحمة اذنيه ، مقرون الحاجبين، جعد الشعر، وكان رحمه الله شجاعا حازما مهابا ضابطا لملكه، متفقد الموالي من رعيته، حافظا لبلاده وثغوره، مواظبا على الجهاد، مؤيدا منصورا، جوادا كريما سخيا، زاهدا في الدنيا، لباسه الصوف، لم يلبس قط غيره، وأكله الشعير ولحوم الإبل وألبانها، مقتصرا على ذلك، لم ينتقل عنه مدة عمره إلى أن توفي رحمه الله تعالى على ما منحه الله من سعة الملك في الدنيا وخوله منها. وقال عنه ابن خلكان : كان يوسف هذا رجلا شجاعا ، عادلا مقداما،ضابطا لمصالح مملكته،مؤثرا أهل العلم والدين، كثير المشورة لهم. صفة الجدية والحدق التي يتصف بها تلخصها كنيته : ابن تاشفين المشتقة من الكلمة الامازيغية “إشف ” أي ليشفة أو الشوكة، وكما نقول بلساننا الدارج “الرجل ماضي”.
يرجع الفضل لهذا الرجل في ترسيخ جوانب من الشخصية المغربية، إذ أو ليس هو من بنى مراكش وهي التي أعطت لهذا البلد إشعاعا ماضيا وحاضرا.

arArabic