نشر هذا النص سنة 1971 وهو مترجم بتصرف عن أنثولوجيا المغرب في نظرة الآخر
أرثور كوستلير / ترجمة: سعيد عاهد
الكتبية هي برج إيفل مراكش، ويعرف كل أطفال شوارع المدينة أن طولها يصل إلى 67 مترا، وأن قمتها تحضن ثلاثة أجراس نحاسية، وهي الأجراس التي يُحكى أنها كانت من ذهب في زمن سابق·
ورغم صيتها الذائع، فصومعة الكتبية لا تترك أثرا عميقا لدى المتفرج عليها· لقد شيدت من طرف عبيد مسيحيين إبان حكم الموحدين الذين خلفوا المرابطين، على أنقاض قصر كبير بناه هؤلاء···
كان أحمد معاصرا للملكة إليزابيث، وقد فتح السودان وجلب منه كميات هائلة من الذهب وأعدادا كبيرة من العبيد، ليوظف غنائمه في تشييد قصر البديع· وحدها الأسوار تظل قائمة اليوم، شاهدة على فساحة القصر، وهي تشكل ما يشبه متاهة وردية تحيط بساحة داخلية، بحجم ساحة الأسلحة، كان مئات الفرسان يقدمون بها ألعاب الفروسية، دُمِّر البديع، بمفردها الأضرحة الملكية للسعديين تُذكر بها حاليا···
رسميا، ظلت مراكش إحدى عواصم الإمبراطورية المغربية الأربعة، لكن مقر السلطة كان يوجد تارة في مكناس، وأحيانا في فاس، ومرات أخرى في الرباط···
تبخرت السلطة والمجد، لكن الطابع المحلي والتقاليد لم تتعرض للإقبار، وبالنسبة لأناس الأسواق البسطاء، فإن الحياة بطريقة لامتشنجة تبدو أزلية· حافظت مراكش على وضعها كفضاء فرجة للأطلس والصحراء· أما مركز الاحتفاءات الفرجوية، فهو ساحة شاسعة ومتربة، ذات تفرعات متشعبة ومتداخلة، ومساحة تفوق مساحة عدة ملاعب لكرة القدم: إنه جامع الفنا الشهير··· فيما مضى من الزمن، كانت رؤوس الثوار ضد السلطة المركزية والمجرمين تقطع هنا، لتعرض بعد وضعها على عصي في محيط الساحة·
أجل، جامع الفنا أكبر فضاء فرجوي يجلب السواح، في افريقيا الغربية برمتها· ورغم ذلك، فأغلبية الوافدين عليه تتكون، مثلما كان عليه الأمر زمن مخيم الرحل الأصلي، من رجال القبائل والرعاة والفلاحين والحرفيين، القادمين من صحاري وجبال الداخل·
إنهم يستعملون الحمير أو الدراجات أو الحافلات للحلول بالساحة، ملتفين بملابسهم التقليدية، ليعرضوا سلعهم للبيع (سلع من كل الأصناف: بلح أو زرابي أو إبل···) ويتمتعون بالفرجة وبعرس جامع الفنا الذي لاينتهي· هم يأتون ذلك بشكل هادئ وحالم، يتحلقون حول حاكي أو مروض ثعابين، حول كاتب عمومي أو منجم، حول ممثل أو موسيقي، ثم يتركونه في اتجاه فرجة مغايرة· ثمة دائما حلقة مقربة من الفنان، تتكون أساسا من أطفال وعجزة يجلسون القرفصاء، وبعدها حلقة خارجية لايمكث بها المتفرجون كثيرا، لكنها صامتة مثل الأولى، ولا مجال فيها للازدحام···
إذا كانت ساحة جامع الفنا على شكل أخطبوط، فإن الأسواق هي أذرعها، كيلومترات من الأسواق، كيلومترات متشابكة ومتشعبة من الروائح والألوان والجلبة الصاخبة والازدحام، وسط الحمير والدراجات الهوائية والنارية والعربات المجرورة· لقد قضيت حوالي أربع سنوات في الشرق الأوسط، لكنني عجزت دائما عن فهم ما يهب الحياة للأسواق (···)·
عناوين بالبنط العريض تعلن عن أخبار مراكش المحلية في جريدة “لو بوتي ماروكان”·
اختتام رائع لموسم قنص الخنازير الوحشية
صادف يوم الأحد إسدال الستار عن موسم قنص الخنازير الوحشية· لقد غنم فريق مكون من أفضل قناصي مدينتنا بطرائد رائعة· وتأتي روعة الطرائد من كون إحداها لم تكن سوى خنزير وحشي أبيض· هذا الصيد الثمين، المنتمي لفصيلة حيوانية جديدة، يبلغ من العمر ثلاث سنوات، ويزن ثمانين كيلوغراما·· وقد غنمه السيد نمود أگورام بواسطة بندقيته····
بعد هذا، حمل المقال لائحة كل القناصين، سواء من كان منهم سيء الحظ أو ابتسمت له الظروف، سواء العرب منهم أو الفرنسيين·
أما الأخبار الأخرى التي حملتها الصحف أثناء إقامتنا، فهي:
ـ الاجتماع السنوي لجمعية صيادي شابل الأطلس لدراسة التقرير الأدبي والمالي لكاتبها·
ـ عرض أفلام سينمائية لجون كوكتو وقراءات عمومية لنصوص لمالرو حول فلسفة الفعل في المركز الثقافي الفرنسي،
ـ دوري لعبة البريدج بالنادي الملكي للسيارات·
ـ حفل عشاء نظمته جمعية الكورسيكيين بمراكش وحضره 150 مدعوا·
ـ الاجتماع السنوي لجمعية آباء وأولياء تلاميذ ثانوية فيكتور هيغو لم ينعقد، بسبب عدم توفر النصاب نظرا لعدم اهتمام الآباء والأولياء·
وتمثلت أهم مواد القناة التلفزية في: قراءة آيات من القرآن، نشرة الأخبار باللغة العربية، نشرة الأخبار باللغة الفرنسية والحلقة السابعة من مسلسل l’ éventail de Séville
لم يعد يقطن بمراكش غير بضعة آلاف من الفرنسيين، إنهم يكونون، مع العائلات العربية الثرية، طبقة المجتمع الراقية· إنهم لايغادرون وسطهم وهم من يذهب لصيد الشابل، وقنص الخنزير الوحشي، ومشاهدة أفلام كوكتو· نلتقيهم في بعض المناسبات في الفنادق الدولية الفاخرة، لكنهم لايلجون المدينة العتيقة، بل هم لايرتادون حتى مقاهي وحانات المدينة العصرية· لقد انتهى الكفاح من أجل الاستقلال منذ أكثر من خمس عشرة سنة، ووجد الفرنسيون الذين مكثوا بالبلاد خارج الوظائف التي كانوا يشغلونها، رويدا رويدا·
ليس ثمة توتر جلي، لكن الشعور بوجود شيء ما يغمر الواحد منا، مثل البشرة الحساسة بعد اندمال جرح حديث···