لم يتوقع محمد قطيب البالغ من العمر 33 سنة، أن كل جهوده المبذولة من أجل الوصول إلى أوروبا، ستجعل منه سجيناً لدى ميليشيات ليبية لما يزيد عن الشهرين، عوض الوصول سريعاً إلى بلدان “الأمان المنشود”.
محاولات الهجرة.. تتكرر دون كلل!
قبل محاولته الأخيرة التي انطلقت من الحدود المغربية الشرقية، والتي مر خلالها عبر كل من الجزائر وليبيا وصولا إلى إيطاليا. كان قطيب قد حاول أولاً الهجرة من بلده سنة 2017. ويحكي في حديثه لمهاجر نيوز “أول محاولة توجهت فيها إلى تونس عبر الطائرة للعبور برا إلى ليبيا، لكن محاولتي فشلت لأن الحدودة كانت مغلقة”. بعد شهر على تواجده بجزيرة جربة، قررالعودة مرة أخرى إلى المغرب.
مرت سنة، ليقرر قطيب هذه المرة التوجه نحو مدينة طنجة شمالي المغرب، حاول جاهداً لثلاث مرات العبور نحو إسبانيا، وأنفق من أجل ذلك الكثير من المال، لكنه فشل مرة تلو الأخرى. يقول “اختياري العبور إلى أوروبا عبر ليبيا لم يكن قراراً فجائياً، بل كان الخيار الوحيد المتبقي أمامي، ونفذته خلال شهر مارس الماضي”.
نجح محمد قطيب في الوصول إلى مهرب دولي مغربي، اتفق معه على مبلغ أربعة آلاف يورو كتكلفة للرحلة من المغرب إلى ايطاليا مرورا بالجزائر ثم ليبيا. “قبلت الشروط و بدأت أحضر نفسي للرحلة التي انطلقت من مدينة وجدة، رفقة ثلاثة أصدقاء آخرين. اتصل بنا المهرب، وأمرنا بالتوجه إلى قرية اسمها تيولي”.
تناقلته سيارات المهربين رفقة أصدقائه من المغرب نحو الحدود الجزائرية. بعد فشل المحاولة الأولى، وتمكن عناصر الجيش المغرب من القبض على ما يناهز 30 شخصاً، عاد قطيب إلى مدينة وجدة المغربية مرة أخرى. “بعدها بيومين اتصل بي المهرب مرة ثانية ليخبرني أن المحاولة الثانية ستنطلق من قرية أخرى”.
تمكن قطيب رفقة أربعين شخصاً من النجاح في دخول الجزائر بمساعدة المهربين، وكانت المجموعة تضم ثلاث نساء. بعد الوصول إلى جنوب مدينة تلمسان تم نقلهم إلى بيت معد خصيصا لتخزين المهاجرين، ثم بعدها نقلوا نحو وهران، ومنها إلى الحدود الجزائرية الليبية.
شدد محمد على أن العملية صارت بتظافر مجهودات المهربين مع الدرك الجزائري، الذي استفاد من رشاوى لتسهيل العبور. وأنهم خلال التواجد بمنازل المهربين كانوا يحرمون من الهواتف أحياناً، ومن الأكل والشرب لساعات طويلة ويحتجزون في أماكن مقفلة بإحكام.
ليبيا.. جهنم المهاجرين السريين!
لم يظن قطيب أن ما عاشه لحدود الساعة كان هيناً أمام ما ينتظره في ليبيا، التي عبر حدودها مع الجزائر في سيارة رباعية الدفع كما يحكي. هناك تناقلتهم شبكات التهريب من غدامس إلى الزنتان ثم نحو زوارة حيث التقى بمجموعة كبيرة من المغاربة.
بعد خمسة عشر يوماً من الاحتجاز، نقلت مجموعة المهاجرين نحو مكان احتجاز آخر على شاطئ البحر. هناك “كان الليبيون المكلفون بالتهريب مدججين بالسلاح. بدأت عملية نقل المهاجرين في مجموعات من 40 شخصاُ، كانوا يوضعون في مركب قديم بطول 13 متر ومكون من طابقين، حمل هذا المركب 380 شخصاً”، يحكي محمد.
بعد حوالي ساعة على انطلاق الرحلة بحراً، سُمِعَتْ أصوات صراخ من الجزء السفلي من المركب، بعد تسرب المياه للمهاجرين واشتداد حالة الهلع بينهم. “كان أغلبنا مغاربة ومصرين وعدد منا سودانيين وإيتيوبيين وآخرون من إيريتيريا وغيرها من الجنسيات الإفريقية”.
فشلت الرحلة، واضطر المهربون إلى الاستعانة بقوارب صغيرة لإعادة المهاجرين المحتجين، وبعد مرور عشرة أيام، تكررت المحاولة، لكن على قوارب أصغر حجما، حملت مئة شخص في كل رحلة.
بعد ما يناهز ثمان ساعات داخل البحر، أوقفتهم البحرية الليبية. عندما رفض قائد المركب الانصياع لأوامرهم بالتوقف، بدأوا في إطلاق النار لإخافته، وحاولوا تهديده بقلب المركب المحمل بالمهاجرين في البحر. ثم استعانوا بمركب صغير للوصول إليه، وتمكنوا من السيطرة على المركب وقادوه نحو ساحل طرابلس، “هنا سيبدأ أسوء كابوس عشته طيلة حياتي”.
كابوس الاعتقال والاستغلال!
فور استلام عناصر خفر السواحل الليبي المهاجرين، “بدأت رحلة سوء المعاملة والضرب بوحشية والسب والشتم والتحرش بالنساء ونزع ملابسهن، حتى المرافقات لأزواجهن”، حسب ما يحكيه محمد قطيب في حديثه لمهاجر نيوز. “بعد ظهور عناصر المنظمة الدولية للهجرة، وأطباء بلا حدود ومنظمات حقوقية أخرى كلها بممثلين ليبيين، وعدونا أنه بعد إجراءات روتينية، سيتم تخييرنا بين العودة طوعاً لبلداننا، أو إطلاق سراحنا في ليبيا”.
وهو ما لم يحدث، “قالوا لنا أنه ستتم إجراء فحوصات كوفيد 19، وحملونا في شاحنات ونقلونا لمكان ما، لنجد أنفسنا قد صرنا تحت رحمة ميليشيا بجزيرة غريان، التي تسير مركز غوط الشعال غربي طرابلس، وتلك كانت الصدمة!”.
داخل ساحة مركز الاحتجاز، تم تجريد المهاجرين الواصلين من كل ما يملكون. يقول المهاجر المغربي “لم يطلب أحد معلوماتنا أو أسمائنا، ولم نتمكن من إخبار عائلاتنا بمكان تواجدنا. تم احتجازنا منذ ذلك اليوم في غرف مزدحمة يوجد بداخلها المئات من المهاجرين من كل الجنسيات، غرف مظلمة وقذرة، لا يلجها ضوء الشمس أبداً، أما التعامل معنا فكان دائما تحت التهديد بالسلاح”.
ضُرِبَ المتواجدون في المركز بسبب وبغير سبب، أصيب الكثيرون إصابات خطيرة بسبب العنف، أما الأكل فكان حفنة أرز كل 24 ساعة. يحكي قطيب “أكثر ما صدمني في كل هذا، أن ممثلين عن المنظمات الحقوقية، رأوا أوضاعنا ولم يغيروا شيئاً، ولم تتدخل أطباء بلا حدود لمداواة الجروح الخطيرة الناجمة عن الاعتداءات”.
ثمن النجاة.. 3000 يورو!
“هددونا بالاغتصاب، وحققوا تهديداتهم في الكثير من المرات على رجال ونساء”. أما عن ثمن النجاة، فقال كثير من المسلحين، أملكم الوحيد في الخروج، هو تأمين 3000 يورو، لترو الشمس وتنجوا بحياتكم”.