لم يتخيل يوما الممثل الكوميدي الأوكراني “فلاديمير زيلينسكي” الذي جسد شخصية رئيس الجمهورية في المسلسل التلفزيوني الكوميدي “خادم الشعب” أن يتحقق الأمر على أرض الواقع
“الولاية الرئاسية من خمس سنوات ليست مسرحية هزلية يمكننا تجاوزها إذا لم تكن مضحكة، وليست أيضا فيلم رعب يسهل إيقافه”، هكذا علّق الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته بيترو بوروشينكو على حملة فلاديمير زيلينسكي أحد مرشحي اللحظات الأخيرة قبل انطلاق الحملة الانتخابية للدور الثاني من رئاسيات أوكرانيا.
مسلسل واقعي جدا
مسلسل تلفزيوني كوميدي ترفيهي عنوانه “خادم الشعب”، تحوّل إلى حزب سياسي ينقل الملايين من مشاهديه المأخوذين بسحر الفرجة من غرف معيشتهم التي كانوا يشاهدونه فيها، إلى مكاتب التصويت، ليحملوا بطل المسلسل من تمثيل دور الرئيس إلى القابض الأول بزمام السلطة في البلاد.
تلك ليست رواية متخيلة مستوحاة من الإرث الأدبي الزاخر لروسيا وأوروبا الشرقية، بل حقيقة ما وقع في الدولة العازلة بين الشرق والغرب، أوكرانيا التي انتخبت يوم 21 أبريل/نيسان 2019 الممثل الكوميدي فلاديمير زيلينسكي رئيسا جديدا للبلاد.
شاب في بداية الأربعينيات من العمر، يشبه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الملامح والفئة العمرية والصعود المفاجئ إلى سدة الحكم، لكنه يختلف عنه في أسلوب الصعود. “نعم أشعر أن هناك بعض التشابه بيني وبين ماكرون.. ليس من حيث المظهر فقط، بل في طريقة تصورنا للعالم”، كما قال رئيس أوكرانيا الجديد لمجموعة من الصحفيين خلال حملته الانتخابية.
ريغان الشرق
الرجل الذي أضحك الأوكرانيين وسحرهم بتمثيله دور الرئيس قبل أن يترشح له في الواقع، بات يتقلد زمام دولة هي ثاني أكبر اقتصاد في الشرق الأوروبي بعد روسيا، والمصدر الذي يستمد منه الاتحاد السوفياتي النشاط الضروري لإنعاش اقتصاده.
زيلينسكي هو ثاني أشهر حالة انتقال شخصية من عالم الفن والتمثيل إلى الحكم بعد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان. فريغان كان قد حمل مفاتيح البيت الأبيض بين عامي 1981 و1989 قادما من تجربة فنية في أستوديوهات هوليود. لكن هناك فارقا كبيرا بين الرجلين، ذلك أن ريغان احتاج إلى قضاء عشر سنوات في السياسة -كحاكم لولاية كاليفورنيا- قبل أن يترشح لانتخابات الرئاسة باسم الحزب الجمهوري ويهزم المرشح الديمقراطي المخضرم جيمي كارتر.
أما زيلينسكي الذي ولد في 25 يناير/كانون الثاني 1978 بمنطقة تقع وسط أوكرانيا، فقد حقّق في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية اكتساحا غير مسبوق بحصوله على أكثر من 73% من الأصوات، بينما اكتفى الرئيس المنتهية ولايته بنسبة لا تتجاوز 25%..
تهمة الصهيونية
ينتمي رئيس أوكرانيا الجديد إلى عائلة من أثرياء مجال الأعمال، وخاصة القطاع الصناعي، ويركز الكثيرون على انتمائه الديني، باعتباره أول يهودي يتولى منصب رئيس في هذا البلد الأوروبي، كما يذهب البعض إلى اتهامه بلعب دور الواجهة في أجندة مسنودة من طرف اللوبي الصهيوني وإسرائيل.
شكوك هؤلاء تتعزّز حين يدققون في مضمون إنتاجاته الفنية والتلفزيونية، والتي كانت منذ البداية مثقلة بالرسائل السياسية، دون أن يجرأ أحد على توقع انتهائه بإيصاله إلى منصب الرئاسة. ويدفع أصحاب هذا الاتهام بحجة شديدة الأهمية، تتمثل في كون المساهم الأكبر في رأسمال القناة التلفزيونية التي بثت مسلسل “خادم الشعب” هو أيهور كولومويسكي المقيم في إسرائيل.
كولومويسكي الذي توجهت نحوه الأنظار عقب ظهور النتيجة المفاجئة للانتخابات، لم يتردد في الإعلان عن استعداده العودة إلى أوكرانيا للاستقرار فيها بعد الكشف عن النتائج النهائية للانتخابات، كما لم ينتظر ضمان وصول ممثل قناته المدلل. ومثلما كان خلاف حاد بينه وبين الرئيس المنتهية ولايته سبب مغادرته أوكرانيا واستقراره في إسرائيل، فإن كثيرين يعتبرون فوز زيلينسكي مجرد انتقام ماكر من جانب كولومويسكي، خاصة أنه وقبل يومين من الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، خرج في تصريحات للصحافة ليصف بوروشينكو بالدمية التي يسهل التلاعب بها.
زيلينسكي وقبل شهر من موعد الدور الثاني للانتخابات، خرج في واحد من تصريحاته النادرة، لينفي عنه تهمة الارتباط بأجندة كولومويسكي، وقال في برنامج “حوار مع مرشح للرئاسة” على قناة “أي سي تي في” التلفزيونية الأوكرانية “ليست بيننا أية اتفاقات أو توقيعات أو مذكرات تفيد بأني أخدم مصالح سيدي كولومويسكي. إنه ليس بسيدي، وليس لي أي سيد أساساً”.
الرئيس الجديد لأوكرانيا اعترف بأن جل المؤسسات الإعلامية التلفزيونية في بلاده تخضع لسيطرة من وصفهم بالـ”حيتان الكبيرة”، لكنه عاد ليؤكد أن ذلك لا يعني أن كل من يعمل في تلك القنوات هو تابع وغير مستقل. صحيح أن “لديهم عقود مع المؤسسة، لكن مسألة من يكون مالك هذه المؤسسة يجب ألا تشغل بال أحد. وفي سائر العالم هناك نفس الشيء: مجموعات معينة تملك قنوات معينة”، وفقا للممثل الكوميدي الذي يعبر عن ذلك بجدية كبيرة.
رئيس لا يتقن لغة بلده
ما لا يعرفه الكثيرون، هو أن الرئيس الأوكراني الجديد يتحدث رفقة أسرته اللغة الروسية، بينما تُعتبر اللغة الأوكرانية غريبة عنهم.
الحوار الذي قامت به زوجته مع شبكة “بي بي سي” بعد الدور الأول من الانتخابات، ميّزه تأكيدها أن الرئيس الجديد يبذل جهودا كبيرة لتعلم لغة البلد الذي سيرأسه، وذلك لكون الروسية هي اللغة السائدة في المنطقة التي ينحدران منها.
“أنا سمعت اللغة الأوكرانية لأول مرة في الصف الثاني وتعلمتها من المعلم.. فلاديمير يحاول تعميق معرفته باللغة الأوكرانية، ونحن نبحث عن أستاذ يساعده في ذلك، وأنا أعتقد أنه سيتغلب على مشكلة وتيرة الحديث عندما يستعمل الأوكرانية”.
عن موقع الجزيرة