رغم الانتشار واسع النطاق لجائحة “كوفيد-19” في جميع أنحاء العالم، إلا أن هناك عددا كبيرا من الأشخاص يدّعون أنهم لم يصابوا بالعدوى على الإطلاق.
وفي عدد من التجارب مع الفيروس، فإنه حتى عندما يصاب أحد أفراد أسرة ما بفيروس كورونا، ويتعرض الآخرون في المنزل إلى العدوى، فإن هناك من يكون محظوظا ويتمكن من تجنب الإصابة تماما.
لماذا يحدث ذلك؟
قدم الخبراء، بمن فيهم ريتشارد ستانتون، أستاذ علم الفيروسات في كلية الطب بجامعة كارديف، بعض التفسيرات.
1. علم الوراثة
تختلف المناعة من شخص إلى آخر جزئيا بسبب تركيبته الجينية.
ويقول البروفيسور ستانتون: “الناس لديهم اختلافات في مدى جودة نظام المناعة لديهم بسبب وجود جينات مختلفة. أجهزة المناعة لدى بعض الناس أفضل في محاربة الفيروس”.
وأظهر عدد من الدراسات روابط بين علم الوراثة والمناعة خلال أزمة “كوفيد-19”.
على سبيل المثال، أشار باحثون في جامعة أكسفورد إلى وجود جزء كبير من الحمض النووي يضاعف من خطر الوفاة بـ”كوفيد-19″، ومن المرجح أن يحمله الأشخاص من أصول جنوب آسيا.
ووجدت دراسة أعدها باحثون من إمبريال كوليدج لندن أن الاختلافات بين أجهزة المناعة لدى الناس “تحدث فرقا على الأقل فيما إذا كنت ستصاب بأعراض المرض أم لا”.
ويركز البحث على جينات مستضد كريات الدم البيضاء البشرية المختلفة (HLA)، مع بعض أنواع مستضد كريات الدم البيضاء البشرية المرتبطة بارتفاع أو انخفاض خطر الإصابة بمرض كوفيد المصحوب بأعراض.
وقال داني ألتمان، أستاذ علم المناعة في جامعة إمبريال: “الجينات الرئيسية التي تتحكم في الاستجابة المناعية لديك تسمى جينات مستضد كريات الدم البيضاء البشرية (HLA). على سبيل المثال، الأشخاص الذين لديهم الجين HLA-DRB1 * 1302 هم أكثر عرضة للإصابة بأعراض العدوى”.
وافترض فريق آخر أن الأشخاص الذين يتمتعون بمظهر جيد يتمتعون بمناعة أفضل، وبالتالي هم أقل عرضة للإصابة بـ”كوفيد-19″ حتى الآن.
2. الإصابات السابقة
المناعة المبنية من عدوى سابقة ليست شيئا يمكن قياسه. ولكن قد يكون هذا هو السبب في أن ذلك الشخص الذي تعرفه ما زال يتجنب نوبة مرض كوفيد.
وشرح البروفيسور ستانتون: “من المحتمل أن العدوى السابقة ببعض فيروسات البرد الشائعة يمكن أن تترك “ذاكرة” مناعية كافية للتعامل مع كوفيد بشكل أفضل”.
وأشارت الدراسات إلى وجود بعض التداخل بين الحماية من نزلات البرد والحماية من “كوفيد-19”.
وقد يشير ذلك إلى أنه حتى إذا تعرض شخص ما لـ”كوفيد-19″، والتقطه، فإن جهاز المناعة لديه يقوم بإيقافه قبل أن يتسبب في ظهور أعراض.
ووجد باحثون من إمبريال كوليدج لندن أن السعال والعطس الشائعين يعززان خلايا الدم البيضاء الحيوية التي تسمى الخلايا التائية، والتي يمكنها التعرف على مجموعة من الفيروسات.
3. المتغيرات
لقد رأينا عددا من متغيرات “كوفيد-19” على مدار العامين الماضيين، بينها “ألفا” و”دلتا” و”أوميكرون” و”بيتا”، على سبيل المثال لا الحصر.
وتتمتع بعض السلالات بمزايا بيولوجية تجعلها أكثر سهولة في الانتشار، وعلى نفس المنوال، قد تفسر هذه المزايا سبب عدم التقاط بعض الأشخاص الذين تعيش معهم العدوى.
وأظهرت الدراسات، على سبيل المثال، أن عدوى “أوميكرون” توفر بعض المناعة ضد “دلتا”، ومن المحتمل أيضا أن تقنيات المراقبة الحالية قد قللت بشكل كبير من عدد الحالات، حيث يقوم المزيد من الأشخاص بإجراء اختبارات “كوفيد-19” في المنزل ولا يبلغون عن النتائج.
وفي المقابل، يقول البروفيسور ستانتون: “أوميكرون أكثر قابلية للانتقال من دلتا ولذا نرى أن أفراد الأسرة أكثر عرضة للإصابة إذا كان أحدهم مصابا بأوميكرون مقارنة بدلتا”.
والسلالة السائدة الحالية، Omicron BA.2، لديها معدلات هجوم ثانوي عالية، ما يعني أنه من المرجح أكثر من المتغيرات السابقة أن تقفز من شخص لآخر.
4. فرصة
قال البروفيسور ستانتون: “قد تكون مجرد صدفة، بناء على كمية الفيروس التي يحملها المصاب في فمه، ومدى تفاعل الآخرين معها (ومدى قربها)”.
ومن الصعب تصديق أنه بعد عامين، حالف شخص ما الحظ على تجنب “كوفيد-19″، ومع ذلك، هناك عدد من العوامل التي ستلعب دورا هاما في هذه الاحتمالات. على سبيل المثال، قد يكون الشخص القادر على العمل من المنزل ويعيش بمفرده ويقوم بالتسوق عبر الإنترنت أقل عرضة للإصابة بـ”كوفيد-19”.
في حين أن عامل الخط الأمامي، كما هو الحال في متجر أو دار رعاية أو مستشفى، أو شخص يعيش مع آخرين، يكون أكثر عرضة للإصابة بها
5. الحماية الناتجة عن اللقاحات
حصلت الغالبية العظمى من الناس على لقاحات “كوفيد-19″ (إما جرعتين، أو ثلاثة، أو أربعة). وسيؤدي ذلك إلى تغيير المناعة من شخص إلى آخر، حيث تكون الأجسام المضادة لـكوفيد-19” في أعلى مستوياتها بعد نحو ثلاثة أسابيع من الحصول على الجرعة، وتبدأ في الضعف خلال الأشهر التالية، ولهذا السبب يُتوقع الحصول على لقاحات معززة سنويا.
وقال أندرو فريدمان، الأكاديمي في الأمراض المعدية في جامعة كارديف، لشبكة CNBC إن الأسباب التي تجعل بعض الناس يصابون بـ”كوفيد-19″ والبعض الآخر لا، تتعلق “على الأرجح بالحصانة من التطعيم أو العدوى السابقة أو كليهما”.
وأضاف: “نعلم أن العديد من الأشخاص مصابون بعدوى أوميكرون (خفيفة في الغالب) على الرغم من تلقيحهم الكامل، بما في ذلك الجرعة المعززة. ومع ذلك، لا يزال التطعيم يقلل من فرصة التقاط أوميكرون والاستجابات تختلف من شخص لآخر. لذلك يصاب به بعض الناس والبعض الآخر لا يصاب به على الرغم من التعرض الكبير للغاية”.
6. أصيب به بالفعل
صُدم الكثير من الناس من حقيقة أنه رغم اعتقادهم بعدم إصابتهم بـ”كوفيد-19″ غالبا ما يستنتجون أنهم أصيبوا به، لكن لم تظهر عليهم أي أعراض.
ولا يبدو أن ما يقارب من ثلث المصابين بالفيروس تظهر عليهم علامات التنبيه.
ويساعد الاختبار على اكتشاف أولئك “الذين لا تظهر عليهم أعراض”.
ومع ذلك، هناك أيضا فكرة أن الأشخاص لديهم حمولات فيروسية مختلفة، ما يساهم في مقدار الفيروسات التي يطلقونها.
ويبدو أنه في الأشخاص الذين يعانون من انخفاض الأحمال الفيروسية، حيث لم يتكاثر الفيروس بشكل كبير في أجسامهم، بحيث يكون لديهم عدد أقل من جزيئات الفيروس، يمكن أن تعطي اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل نتيجة سلبية خاطئة.
والأشخاص الذين وقع تطعيمهم أكثر عرضة للإصابة بأحمال فيروسية منخفضة وأعراض أكثر اعتدالا إذا أصيبوا بالمرض.
وحفّز ما يسمى بمجموعة “لا كوفيد أبدا” العلماء على إجراء البحوث. ويبحث المتخصصون في الأمراض المعدية في جميع أنحاء العالم عن سبب حماية أجسام بعض الأشخاص بشكل طبيعي.
وقالت الدكتورة ريا كوندو، المؤلف الأول للدراسة الإمبراطورية، إن “التعرض لفيروس SARS-CoV-2 لا يؤدي دائما إلى الإصابة، ونحن حريصون على فهم السبب”.
ومع ذلك، حذرت الدكتورة كوندو أيضا من أنه لا ينبغي لأحد الاعتماد على فكرة أنهم يتمتعون بمناعة فائقة ضد “كوفيد-19″، إذا لم يحصلوا عليها بعد.
وأشارت: “بدلا من ذلك، فإن أفضل طريقة لحماية نفسك من كوفيد-19 هي التطعيم الكامل، بما في ذلك الحصول على جرعة معززة”.