أرشيف المراكشية : سعيد بوخليط
يستمر البعض توهما أو توهيما، متحدثا بصيغة الجمع، عن نخبة مغربية، بصيغة أسلوبية تغلي سذاجة، وكأننا حقا وحقيقة،لازلنا ولو على سبيل التخيل، نتملى الطلعة البهية لزمرة من هذا العينة، تحظى رمزيا بالاعتبار والتقدير،حيث بوسعها التأثير، وإن بحظ زهيد في تقويم التوجه العام للبلد.
أظن، أن العبارات البروتوكولية الفخمة مثل :”النخبة المغربية غير راضية عن ذلك… “بالعكس يا صاحب التأويل: نخبتنا سعيدة تتقلب وتتلون تلون الأفاعي بحربائيتها المصلحية وتبريراتها الديماغوجية،”أبدت النخبة امتعاضها من كذا…”بالعكس : نخبتنا منافقة جدا وسيئة الطوية… “،النخبة مؤهلة لكذا … ”بالعكس : لم تعد مؤهلة سوى لعد أصفار حسابها البنكي،لأنها استأنست مطلق استئناس، بمجريات السياق على اختلالاته العميقة، فأزكمت أنوفنا نتانة تعفنها .
أقول، شعارات كتلك،أضحت متكلسة ينخرها العدم من كل النواحي للسبب الوجيه التالي : انتفاء شرط الوجود،يسقط ما تبقى من الممكنات.بالتأكيد،الواقع العيني والمعاش سيد الحجج : لم نعد نمتلك نخبة حسب المفهوم السوسيولوجي والاتيقي للتوصيف.
دون الحديث، عن جماعات الهوامش المنزوية والمتقوقعة في سيزيفيتها اليومية،وبغير استحضار جيوش الفقراء والأميين والجياع والمشردين والمحتقرين والمظلومين والمستنزفين والمعذبين ومومسات الرصيف،المقصيين جملة وتفصيلا،من الخريطة المجتمعية،لا يبعثون من رماد حرائقهم، سوى موسميا لزركشة اللعب الانتخابية،خلال أيام، ثم يدفنون ثانية.ومع القلة القليلة جدا،لبعض الذوات التي لازالت تنبض حياة وترتج ضميرا،يقض مضجعها الفكر النقدي،أو على الأقل خرخرة وحشرجة احتضاره،ملوحة به قولا وفعلا،حريصة كل الحرص في زماننا العاهر،على نقائها البشري حتى لا تنجر إلى الدائرة الموبوءة.غير هؤلاء،أصبحنا محترفين في احتراف فنون الزحف قياسا للمناسبة واللحظة،ثم يؤاخذ الجميع على الجميع،مع كل مناسبة وغيرها،عدم ذكاء أو ”شطارة”انبطاحه الجيد كي يتقن لغة المرحلة،ويتماهى مع قانون الانتقاء : الانتصاب فشل تاريخي،والعنّة مفتاح التاريخ.
أي نخبة يا أخي؟ لازلت تحمل نفسك عناء، الحديث باسمها؟متوخيا تهذيب مشاعرها،والتأدب مع أحاسيسها،وأنت وأنا وغيرنا،نعاين بلا توقف،كيف ترتقي هذه النخبة “المتمسكنة” بشتى كيفيات النفاق والإذلال والجشع والانتهازية والبذاءة،تراكم الخيبات تلو الأخرى،في سبيل ماذا :توسيع أصفار الحسابات البنكية،أي بمعنى آخر،الاستفاضة في أرطال تكرشها.
إنها النخبة،التي اختزلت مجمل الوجود،في توسيع قنوات مجاري الصرف الصحي،كي تفرغ باستمرار ماتحويه أحشاؤها المنتفخة بغازات أصفار الحسابات البنكية،فهي لاتتوقف عن الابتلاع.
إنها النخبة السيكوباتية، المشروخة سيكولوجيا،الممزقة إربا إربا،بين همسات النفس وبكائيات الأطلال ومراثي الأموات وتضليل الأحياء وأحاديث المقاهي وإخوانيات الصالونات وتنظيرات مؤلفات- الجوائز ومحاضرات الجامعات وحوارت الإعلام وتدوينات الفيسبوك وتغريدات التويتر وماقبل المنصب وحين المنصب ومابعد المنصب.فظيع كيف للشخص أن تسكنه خلال ذات الآن، كل تلك الأرواح.
إنها النخبة، حمالة الأوجه بل الأقنعة، المسكونة بهستيريا الاستحواذ والتملك، تنتج وتعمم سلوكا في غاية الانسياق الطفولي،وهي تشتم وتلعن ضجرة عندما لاتمسك في يدها لعبة،ثم على النقيض تمدح وتثرثر صباحا مساء فرحة عندما تمسك،مهما كان؟وكيفما تأتى؟وعلى أي نحو :فوبيا العوز.
إنها النخبة التي مافتئت تقتل ببرودة دم ممكنات صنيع السياسة البناءة،لا لسبب فقط،غير توليد أصفار الحساب البنكي.وحولت جامعات العلم،إلى أسواق تغلي بضجيج عبث حروب البسوس،صراعا على الظفر بأرائك تتسع جيدا لمؤخراتها،ووأدت في مقتل السلوك الإنساني الراقي وروح العقل الأنواري،لا لسبب سوى ملء يمين أصفار الحساب البنكي.نخبة،أضحت بلهاء صماء بكماء عمياء، مشلولة، بلا حواس آدمية، تزحف على بطونها،مثيرة الشفقة،والبكاء المضحك.تعلم تماما،طبيعة ما يجري حولها،لكنها لأجل عيون حيوية أصفار الحساب البنكي، تتعمد علما أن لا تعلم.
إنها النخبة، التي تبرر وجودها صوتيا ومظهريا،على معاصرة الحداثة والتطلع إلى مابعد الحداثة،لكنها تقتات بيولوجيا وفعليا، بكل ما أوتيت من زحف الزواحف،ونقيق الضفادع،على تكريس منظومة اللا-منظومة بقرون سحيقة،والتطلع أساسا إلى تصفيف أصفار حساباتها البنكية.