ارشيف المراكشية
تقع زاوية سيدي رحال بإقليم قلعة السراغنة على بعد 50 كلم من مدينة مراكش على الطريق الرابطة بين مراكش ودمنات، أسسها الشيخ أبو العزام الكوش خلال القرن 16 والتي أصبحت معروفة لدى العامة بسيدي رحال البودالي أو “بويا رحال”.
سمي بسيدي رحال لأنه حسب بعض الأساطير المروية عنه كان يقوم بترحيل أشجار غابة على ظهور الحيوانات الضاربة التي كانت تسكنها ، وسمي بالبودالي لأنه كان من المتصوفة الأبدال الدين يبدلون هيئتهم بحسب ما يتعرضون له من المواقف ليتحول إلى امرأة أو طائر أو أسد.
من بين الروايات التي يجري الحديث عنها داخل الأوساط الشعبية بإقليم قلعة السراغنة ، تلك المتعلقة بزاوية سيدي رحال البودالي التي يؤدي فيها الزوار بعض الطقوس التي تسمى داخل أوساط سكان المنطقة ب “الطوفة” أو”حج المسكين” وهو على شكل ضريح يوجد في أعلى ربوة بجوار ضريح سيدي رحال البودالي، يطوف حوله الزوار ابتداء من فجر يوم عرفة مباشرة بعد الصلاة مرددين كل الأدعية والتكبيرات التي تجري بالكعبة، وقبل الوقوف بجبل عرفة بمكة المكرمة بأربعة أيام تشد مجموعة من القبائل الرحيل نحو الزاوية لإحياء موسمها الذي يعتبر ملتقى روحيا اقتصاديا تلتئم كل سنة حول الولي سيدي رحال.
قصة “الطوفة” أو “حج المسكين” حكمة وفكرة ابتدعهما الولي سيدي رحال البودالي لأهداف تهم الفئات المهمشة التي بدأت تظهر أيام حلوله بـ “أنماي” التي فقدت اسمها وحملت اسمه، واستقطاب جحافل كبيرة من أبعد القبائل لكي تزوره كل سنة بذلك الربع النائي الذي اختار الاستقرار به ، فاستقراره كان اضطراريا حيث طرده الغزواني “مول القصور” أحد رجالات مراكش السبعة الذي تضايق من التألق الصوفي والروحي الذي بلغه سيدي رحال البودالي بمراكش وهي درجة الأبدال الصوفية التي يستطيع خلالها الولي أن يتحول من صفة إلى صفة أخرى أي أنه يكتسب قدرة على التحول والتبدل، لهذا السبب تضايق الغزواني فقرر مواجهة البودالي بقولة أصبحت مضرب المثل لدى عامة الناس بالمنطقة وهي “تركها لي أو أتركها لك، حنشان لا يلتقيان في غار”، فلهذا السبب خرج سيدي رحال البودالي من حضرة مراكش غاضبا فقرر الثورة بالاستقرار بأنماي وتأسيس حاضرة من فراغ فجاءت فكرة حج المسكين التي استطاع من خلالها أولا أن يجعل العديد من القبائل تحج إليه كل سنة من الغرب الإسلامي ومن مشرقه و أن يجعل من الزاوية محجا سنويا موازيا لحج الكعبة المكرمة،ويقال كذلك إن البودالي جعل من هذا الحج فرصة لتلقين الحجاج المناسك قبل سفرهم في السنة الموالية إلى السعودية من أجل حج بيت الله الحرام.
من بين الكرامات التي اشتهر بها الولي الصالح سيدي رحال طقوس “السم” و “المقراج” ، ودخول بيت النار دون إصابته بأي أدى ، إلا أن أهم الكرامات التي كان يتميز بها حسب ما روي عنه هي الطيران في الهواء ، مما أكسبه لقب “طير الجبل الأخضر” والتي كانت تتحقق له كلما كان في خطر.
تقول بعض الأساطير أن الولي الصالح سيدي رحال البودالي كان يعيش في الجبل الأخضر مع امرأتين صالحتين تقومان بخدمته ، وبعد أن داعت أنباء كراماته وبلغت السلطان الأسود الملك الأسطوري الذي يحتمل أن يكون حسب بعض الباحثين أحد الملوك الثلاثة الدين قتلوا في معركة وادي المخازن المدعو محمد المتوكل الملقب ب”المسلوخ”، رغب في لقائه وأرسل لأجل استدعائه اثنين من أعوانه هما سيدي علي بن حمدوش وسيدي أحمد العروسي، وعند لقائهم بالولي الصالح سيدي رحال في خلوته بالجبل الأخضر انجدبا مع قوة إيمانه وما أظهره لهما من كرامات ، فقررا البقاء إلى جواره وعدم العودة إلى مراكش عند السلطان الذي ما إن علم بالأمر حتى غضب منهم جميعا وقرر معاقبتهم بالإعدام ، فأرسل جنودا لإعتقال مبعوثيه مع الولي الصالح ليجري اعتقالهما دون أن يتمكنوا من أسر سيدي رحال ، وأتناء الإستعدادات التي كانت قائمة لإعدامهما ظهر الولي الصالح سيدي رحال طائرا في الهواء ويمسك في يده شاقوا فاندهش الجميع بمافيهم السلطان ورمي بالشاقور إلى سيدي علي بن حمدوش وقال له خده فطالما معك أنت في أمان، وتشاء الأسطورة أن يكون دلك الشاقور هو الذي يضرب به أتباع بن حمدوش أو مايعرفون لدى عامة الناس ب”الحمادشة” جباههم حتى اليوم، أما سيدي أحمد العروسي فحمله الولي سيدي رحال وطار به بعيدا عن ساحة الإعدام وظل يطير به إلى أن سقط في منطقة سوس ، وفيها قضى بقية حياته زاهدا في حين عاد الولي الصالح سيدي رحال بعد رحلة طيرانه إلى خلوته بالجبل الأخضر.