بقلم د. ش. أسامة شعبان
1- كان النبي عليه الصلاة والسلام أكثر خَلق الله خشيةً لله، يبكي رحمةً ورقةً ومحبةً وشوقًا وحنينًا وفرحًا وحزنًا وخوفًا على أمّته وخشية من ربّه. فمتى بكى النبي محمد عليه الصلاة والسلام؟
2- بكى عندما أتاه رجل مسلم يخبره قصته، أنه كان من قوم أهل جاهلية وأوثان يئدون البنات وهنّ عائشات، وأنه رمى بنته التي كانت متعلقة به كثيرًا في البئر وتركها حتى ماتت، وآخر ما سمع منها من داخل البئر: يا أبتاه.. يا أبتاه.. فبكى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقيل: يا هذا، أحزنتَ رسولَ الله!، فطلب منه الرسول أن يُعيد القصة، ثم بكى وجرى وسال دمعُ عينيه على لحيته، ثم قال: *”إنَّ اللهَ وضعَ عن الجاهليةِ ما عمِلوا”*. معناه الإسلام محا ما كان من كفر ومعاصٍ.
*وهذه مدرسة الشفقة والرقة والرحمة والإنسانية عند أتقى مخلوق.*
3- بكى عندما أعلمه جبريل عليه السلام أن أمته تقتل سبطه حسينًا في كربلاء.
*وهذه مدرسة حبّ الأحفاد وآل البيت الأطهار، وكراهية الظلم والقتل بغير حق.*
4- بكى عندما أنهى الطعام في بيت أبي أيوب الأنصاري (خالد بن زيد) رضي الله عنه، ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وقد أكلوا الخبز واللحم والتمر والبُسْر (البلح قبل أن يرطب) والرُّطَب. وكان قد خرج جائعًا من بيته فالتقى العُمَرَين ثم قصدوا أبا أيوب الذي بالغ في إكرامهم.
*وهذه مدرسة شكر الله على النّعَم.*
5- بكى عندما رأى عمّه حمزة رضي الله عنه وقد مُثّل به، بل شهق (تردّد نفَسُه في حلقه وسماع صوت له). قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم باكيًا قطُّ أشدّ من بكائه على حمزة بن عبد المطلب لما قُتل”. وقال أبو هريرة (عبد الرحمٰن بن صخر) رضي الله عنه: “وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة وقد قُتل ومُثّل به، فلم يَرَ منظرًا كان أوجع لقلبه منه”.
بكى عندما مرّ بعد معركة أُحُدٍ بدار من دُور بني عبد الأشهل يبكون قتلاهم، فذرفت عيناه وبكى وقال: *”لكنَّ حمزةَ لا بواكيَ لهُ”* فبكاه الناسُ.
وكان كلما بكت صفية عمته وفاطمة بنته رضي الله عنهما على حمزة يبكي.
بكى عندما استشهد مصعب بن عمير في معركة أُحُد.
*وهذه مدرسة حب الصحب والأهل والعمّ والوزير والسّند والجبل الأشمّ الذي ما فتئ ينصره ويحامي عنه.*
6- بكى عندما قُلعت عينُ قتادة بن النعمان رضي الله عنه يوم بدر؛ وهو يرمي بالقوس بين يدَي رسول الله ثم أصيبت إحدى عينيه بسهم، فأخذ حدقته بكفه فلما رآها رسول الله عليه الصلاة والسلام دمعت عيناه وقال: *”اللهمَّ إنَّ قتادةَ أوْجَهَ نبيَّكَ بوجهِهِ، فاجعلْها أحسنَ عينيهِ وأحدَّهما نظرًا”*، وأعاد بكفه الشريفة حدقته مكانها فاستجاب الله دعاءه.
*وهذه مدرسة المجازاة والمكافأة لمن حمى ودافع ونصر وأيّد.*
7- بكى عندما أغارت خيلُ المسلمين على قبيلة هوازن، وأسرت الشيماء بنت الحارث، فقالت؛ أنا أخت صاحبكم. ثم عرفته أنها أخته من الرضاع بعلامة عرفها النبي عليه الصلاة والسلام، فبسط رداءه وأصرّ أن تجلس عليه، ودمعت عيناه وقال لها: *”إنْ أحببتِ فأَقيمي عندي مكرّمةً مُحبَّبةً، وإن أحببتِ أن ترجعي إلى قومِكِ وصلْتُكِ؟”*، أسلمت ورجعت، وأعطاها ثلاثة عبيد وجاريةً ونعَمًا وشاءً.
*وهذه مدرسة الصلة للأهل والأقرباء والأنسباء.*
8- بكى عندما سمع شعر ليلى بنت النضر بن الحارث القرشي المشرك الذي أمر النبيُّ عليه الصلاة والسلام عليًّا عليه السلام بقتله صبْرًا بعد معركة بدر الكبرى، وأسلمت عام الفتح؛ ولعلها شدّت رداء النبي عند الطواف بالكعبة وأنشدته الشعر فرقّ لها وبكى وقال: *”لو سمعتُ شعرَها لم أقتُلْ أباها”*.
*وهذه مدرسة الرقة والشفقة والتأثر بالكلمات الصادقات.*
9- بكى عندما نزلت آيات قرآنية مصدّقات النبيَّ عليه الصلاة والسلام في ما قرّر في أسرى بدر من المشركين، بعدما أخذ بمشورة أبي بكر بعدم قتلهم، وأخذ الفداء المالي من أهاليهم.
*وهذه مدرسة التوفيق الرباني المؤيد للنبي بالحكمة والرحمة.*
10- بكى عندما كان يصلّي في كثير من الأحيان، وخصوصًا عندما كان يقوم الليل. قال عبد الله بن الشِّخِّير رضي الله عنه: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أَزِيزٌ كأزيز الرَّحى (أو المِْرْجَل: القِدْر الذي يغلي من النار تحته) من البكاء.
*وهذه مدرسة التعلق بالآخرة من خلال الخشوع المشفوع بالبكاء في الصلاة أفضل الأعمال بعد الإيمان.*
11- بكى عندما استأذن زوجَه عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما أن يتعبّد الله في ليلتها: *”يا عائشةُ، ذَريني أتعبَّدْ لربّي”*، فأذنت له قائلة: واللهِ، إني لأحبّ قربك، وأحبُّ ما يسرُّك. وكانت تتورّم قدماه من كثرة الصلاة، فبكت عائشة (أو بلال بن رباح الحبشي) فقالت: يا رسول الله، تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر! فقال: *”أفلا أكونُ عبدًا شكورًا، لقد نزلت عليَّ الليلةَ آياتٌ، ويلٌ لمن قرأها ولم يَتفكَّرْ فيها: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (190)}”*[آل عمران]. نَعَمْ، يبكي حتى يبتلّ حِجْرُه، ثم الأرض التي تحته، ولا يتوقف حتى يؤذن بلال بن رباح الحبشي رضي الله عنه لصلاة الفجر. لقد عصمه الله ورفع قدره، وهو يقابل ذلك بالطاعة.
*وهذه مدرسة الشكر من خلال المبالغة في العبادة.*
12- بكى عندما كان يخرج إلى البقيع ليلًا يستغفر لمن سبقه من إخوانه إلى الدار الآخرة، وهو في شوق إليهم.
*وهذه مدرسة المحبة الصادقة التي لا تنقطع بالموت.*
يتبع…
د. ش. أسامة شعبان
o.shaaban1976@gmail.com
o.shaaban@hotmail.com
صفحة فايسبوك الدكتور أسامة شعبان
@Dr.Ousama.Shaaban
instagram: @shaabanousama