من أرشيف المراكشية / طالب يوسفي
سيدة تقول إنها طلقت من زوجها طلاقا اتفاقيا، بيد أنه حدثت بينهما مواقعة بعد ذلك. تأنيب الضمير دفعها للالتجاء إلى حضن الشريعة لتسأل من أذن له بالفتوى عن حكم أو مخرج يريح بالها.
وبدل أن يمسك المفتي بهذا الخيط الرابط بينها وبين رب غفور رحيم، استمع إليها متقززا، ونظر إليها نظرة موزع الصكوك، وما أن انتهت، فيما يسمى بجلسة الاستماع، من البوح بما جثم على صدرها حتى صاح في وجهها، ذاك زنا، وما تولد منه فهو ابن زنا. ونطق بذلك وكأن لا معقب لحكمه،وصرفها عنه صرف من يريد رفع كلفة.
– خرجت ذليلة يائسة، وبعد يومين من المكابدة، فكرت في لقاء أستاذة لمادة الإسلاميات كانت قد درستها، وتثق في عملها ومروءتها وأسلوبها التربوي، ولها الفضل في استنبات هذه المسكة من الإيمان التي نبهتها بعد غواية. عرضت عليها المجريات بجميع تفاصيلها وحيثياتها من غير حرج.
– قدرت الأستاذة معانتها، واستنكرت غلظة وفظاظة متعاطي الفتوى وتسرعه في إصدارها. وبهدوء أسرت إليها قائلة: إن دقائق ولطائف مسائل النساء حتى الآن من الخبايا التي لا يعلمها إلا النساء.
– والتفتت إليها، أنا لن أفتيك، كل ما هنالك كان على من عرضت عليه مشكلك أن يرأف بحالك، فقد وضعت فيه ثقتك، جئته مشوشة تائبة، كما كان عليه أن يقدر خطورة الموقف وعواقبه النفسية والاجتماعية، وأن يحسن الاستماع ويتحرى في الاستشارة فالحكم على الشيء فرع عن تصوره.
فأنت قد أدليت بالواقعة، وهي بحاجة إلى مناقشة شفوية طويلة، كان عليه أن يطرح سلسلة من التساؤلات، منها على سبيل المثال:
– هل حدث ما حدث بعد صدور الحكم بالطلاق أو قبله؟
– كيف تم العقد الاتفاقي بينكما، هل أنت في حالة حيض أم طهر لم يمسسك فيه؟
– هل حدثت المواقعة قبل انصرام العدة أو بعدها؟
– هل المواقعة تنم عن رغبة متبادلة في استعادة العلاقة الزوجية؟
فهذه المساءلة وما يجري مجراها واجبة، وحكم الاستشارة يختلف باختلاف الإجابة عنها.
وبينت لها أن فتوى المفتي لا تخرج عن نطاق الاستشارة وليست بالحكم الملزم. ونصحتها بالالتجاء إلى استشارة الدوائر المختصة بشؤون الأسرة، فهي المؤهلة للنظر في مثل هذه النوازل، فأطرها خبراء مكونون تكوينا شرعيا وقانونيا ونفسيا واجتماعيا، ولا يفصلون في الأمور إلا بعد تدقيق النظر فيها وتقليبها على مختلف وجوهها، مراعين للمصالح ودارئين للمفاسد.
إن قضايا الأسرة شائكة ومتنوعة وخطيرة، وينبغي إحالتها على الخبراء من أهل الإختصاص بقضايا الأسرة.
فالاختصاص الاختصاص بدل الترامي والجرأة والتعسف والإفساد من حيث يظن الإصلاح.
اتقوا الله في النساء فقد أوصى
صلى الله عليه وسلم بهن خيرا