الصبر الجميل
أوّل ما يَقتحِمُ عليك فكرَك بإصرار، بعد طُول مُكْث بين جدران صامتة، في حَجْر صحي عالمي مُلِحّ… هو سَجْن النبيّ ابنِ الأنبياء يوسف الصّدّيق عليه السلام، في مصر؛ مُسْلِمًا مُسلّمًا، صابرًا مُحتسِبًا، مُعلِّمًا مُرشدًا مَن مَعه في السجن إلى درب الإيمان.. ليَجِيءَ الفَرَجُ بعد سبع سنين، وتُعلَنَ براءتُه من الفاحشة ومقدّماتها.
ويُروى أنه عندما كان يَهُمُّ الكريمُ ابنُ الكرام سيدنا يوسفُ عليه السلام بمغادرة السجن.. كَتَبَ على بابه أبلغَ وَصْفٍ للسِّجْن وشعور المسجون فيه ونظرته له: “هذه مَنازِلُ البَلْوى، وقُبورُ الأحياءِ، وشَماتةُ الأعداءِ، وتَجرِبةُ الأصدقاءِ”.
فلْنتأمَّلْ ولْنعتَبِرْ.. نحنُ السجناء في بيوتنا!
الصبر مفتاح الفرج
الدنيا سِجْنُ المؤمن، والصبر مُرّ عاقبته حُلوة، والصبر مفتاح الفَرَج، وانتظار الفَرَج عبادة، وجزاء الصبر الجنة، والصبر نور وسلامة ومَنْجاة، يهذّب النفوس ويَشْحَذُها لِما فيه خيرُها.والصبر صبران:
صبر على بلاء موجود.
وصبر على هناء مفقود.
والصبر تسليم لقَدَر الله الذي خلق الخير والشر، والداء والدواء، والحياة والموت لحكمة، وجعل الدنيا مُعْترَك العزائم والطَّبائع، وسبيلًا إلى السّعادة أو الشّقاوة في الآخرة.
واقرأ معي بعين البَصير ما قال البُحْتُري (الوليد بن عبيد العباسي ت284هـ): [الطويل]
وما هذهِ الأيامُ إﻻ منازلٌ
فمِنْ مَنْزِلٍ رَحْبٍ إلى مَنْزِلٍ ضَنْكِ
وقد هَذَّبَتْكَ النائباتُ وإنما
صفا الذَّهَبُ اﻻبْريزُ قَبْلَكَ بالسَّبْكِ
أمَا في رسُولِ اللهِ يوسفَ أُسْوَةٌ
لِمِثْلِكَ محبوسًا على الظُّلْمِ والإفْكِ
أقامَ جميلَ الصبْرِ في السجنِ بُرهةً
فآلَ به الصبرُ الجميلُ إلى المُلْكِ
د. ش. أسامة شعبان