كتبها للمراكشية العلامة محمد الطوگي
إذا كانت احتفالات الدولة السعدية، التي يرفع خصومها نسبها إلى مرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم حليمة السعدية، قد بلغت الحد الذي قدمنا شذرة منه، فإن دولة الأشراف العلويين العائدة إلى العثرة النبوية، والمتأصلة نسبا في الدوحة المحمدية الشريفة، قد احتفلت بمولد خير البرية احتفالا جملوه بالمزيد من التحسينات، فأربى على كل ما تقدم.
وقد فصل مؤرخ الدولة العلوية عبد الرحمان بن زيدان مظاهر تلك الحفاوة والتقاليد في كتابه “العز والصولة في معالم نظم الدولة”. وقد انعكست معالم تلك المسرة في مختلف الميادين، فاغتنت الثقافة المغربية بمكتبة زاخرة بالمصنفات في السيرة، وتفنن في نظمها49، بل من العلماء من كتب في ناحية خاصة من نواحي السيرة، كأعلام النبوة، والمعجزات، والمعراج، والمغازي، والنعال، ونظام الحكومة النبوية، والأسماء المحمدية، وشيبته عليه السلام، وخضا به وشمائله، وأكله، ولباسه، أما عن مولده عليه السلام فحدث ولأحرج 50؛ فلعبد الرحمان بن زيدان “النور اللائح بمولد الرسول الخاتم الفاتح 51″، ولأبي عبد الله محمد بن الشيخ جعفر الكتاني ( ت 1345هـ) إسعاف الراغب الشائق بخبر ولادة خير الأنبياء وسيد الخلائق، “يحظى بنفس الاهتمام الذي تحظى به بردة البوصيري وهمزيته، ومن مظاهر هذا الاهتمام أن جمعا من العلماء ورجال المديح النبوي يحفظونه ويقرأونه في الحفلات المولدية وغيرها، اقتداء بالمشارقة الذين يهتمون بمولد الإمام البرزنجي رحمه الله، وترجموه إلى اللغة التركية، وعلى هذا المولد الكتاني اعتمد شطر من المؤلفين في المولد، وفيهم من أثبت فصولـه بلفظها 52 ” وقد طبع عدة مرات بالمطبعة الحجرية الفاسية.
أما عن قصائد المديح النبوي المنظومة بهذه المناسبة فهي من الوفرة بمكـان منهـا “اليمن الوافر الوافي في امتداح الجناب اليوسفي”0 كما شرحت قصائد ووضعت عليها الحواشي، ونسجت الموشحات والأزجال الخاصة بهذه المناسبة.
وفي فترة الحماية وظف المولد النبوي توظيفا يجمع بين الديني والوطني أي يستجيب لتطلعات الحركة الوطنية بزعامة الملك محمد الخامس. فهذا المرحوم عبد الهادي بوطالب من الشهود والفاعلين في تلك الحقبة يقول: “في هذه المناسبة كانت منابر المساجد والزوايا التي قطعت علاقتها بأقطاب الطرقية، فمن على تلك المنابر كانت تلقى دروس في تفسير القرآن الكريم، وشرح الحديث، وشرح وقائع السيرة النبوية… وكانت دروس هؤلاء العلماء تأخذ شكل الحلقات العلمية الدينية المفتوحة على الطريقة التقليدية، لكن محاورها المستترة غالبا، أو الظاهرة حينا كانت ذات طابع سياسي، هو حفز الجماهير لمقاومة المستعمر الجاثم على المغرب. كان يقود هذه الدروس علماء وشباب القرويين وابن يوسف 53″.
وقد تنبه المستعمر إلى خطورة هذه الدروس المولدية، فعمد باشا مراكش ليلة المولد النبوي لعام 1356هـ/1937 إلى منع الاحتفال بهذه المناسبة، فأقدم جلاوزته على احتلال مساجد مدينة مراكش، ودخلوها بنعالهم، وأخرجوا منها المصلين تحت وطأة الحديد، ثم أغلقوها مدة أربعة أيام، وفي هذه الحادثة يقول الشاعر محمد بن اليمنـي الناصـري (1891 – 1971):
ما بال مراكش تبكي وتنتخـب في يوم عيد له الأعياد وتنتخـب
ما بال مراكش باتت على مضض في ليلة العيد والأحشاء تضطرب
ما بال أمتنا ثارت عواطفهـــا من مكمن الدين حيث المعقل الأشب.
ثم يصف ما أقدم عليه باشا مراكش وخليفته البياز من احتلال المساجد وإخلائها من المصلين.
أتى المساجد مختـالا بشرطتـه يزهى بإقفالها إذا فتحها يجـــب
فهاج من ساكني الحمراء ساكنهم إذ في القلوب بهذا يقــذف الرعب
في ليلة بولاد المصطفى شرفـت على الليالي ومنها الخير يجتلــب
في ليلة أصبح التاريخ يذكرهـا بما به، لا تني الأشعار والخطب 54.