جاء في كتاب الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية ذكر السبب في اختطاط مدينة مراكش وبنيانها وارتياد موضعها ومكانها حرسها الله بمنه. يقول صاحب الكتاب :
اعلم رحمك الله ، أن سبب ذلك ، على ما نقله جماعة من علماء التاريخ ، أن الأمير أبابكر بن عمر بن ابراهيم بن تورفيت اللمتونى ، لما خرج من الصحراء باللمتونيين ، واحتلوا بأغمات وريكة (10) ، وكثر الخلق بها ، وضيقوا على أهلها ، وكانوا على حال صعبة ، شكا أشياخ وريكة وهيلانة ، الى الامير أبي بكر بن عمر ، ما يلحقهم فى ذلك من العناء ، والمشقة ، وأنهوه اليه المرة بعد المرة ، الى أن قال لهم : عينوا لنا موضعا نبنى فيـه مدينة ان شاء الله .
فاجتمعوا على أن يكون بناؤها بين بلاد هيلانة ، وبين بلاد هزميرة ، فعرفوا بذلك الأمير أبا بكر بن عمر ، وقالوا له : قد نظرنا لك أيها الامير ، موضعا صحراء ، رحب الساحة ، واسع الفناء ، يليق بمقصدك ، وقالوا له : نفيس (11) جنانها ، وبلاد دكالة فدانها ، وزمام جبل درن (12) بيد أميرها فعند ذلك ركب الأمير أبوبكر بن عمر ومعه قومه الملثمون (13) ، وأشياخ المصامدة ، ووجوه الناس ، وصاروا معه الى فحص مراكش ، وهو خلاء ، لا أنيس به ، الا الغزلان والنعام ، ولا ينبت الا السدر والحنظل ، وكان ذلك سنة اثنتين وستين وأربعمائة ، فانتقلوا الى تلك الرحبة ، فوجدوا في فحصها من المسرح الخصيب للجمال ، والدواب ، ماغبطهم بها ، وشرع الناس في بناء الدور من غير تسوير عليها ، فبينما الأمير أبوبكر بن عمر ، قد نزل بها ، وأخذ فى بناء الديار ، اذ وفد عليه رسول من قبيلة لمتونة بالصحراء ، يعلمونه أن جدالة أغارت عليهم ، وكانت بينهم فتنة دائمة ، فاستخلف ابن عمه (14) يوسف بن تاشفين على المغرب ، ودخل الى الصحراء لاصراخهم ، ولاخذ ثأرهم من عدوهم
( 10 – قال الحميرى فى الروض المعطار : اغمات ، بأرض المغرب بينها وبين ( وادى نفيس ) مرحلة وأغمات مدينتان ، احداهما تسمى أغمات وريكة ، والاخرى اغمات هيلانة ، وبينهما نحو ثمانية اميال ، وبأغمات وريكة تسكن الاعيان ، وبها ينزل التجار » هذا ومعروف أن وريكة وهيلانة ، او ايلان ، من قبائل البربر 11 ـ نفيس اسم يطلق على واد ومدينة من أحواز أغمات ومراكش اندثرت
كتاب الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية