المراكشية : ابراهيم الهلالي
لعل عصر الموحدين بمراكش يقترن بعصر المرابطين، ويرتبط به من حيث استمرار هجرة علماء ومفكري الأندلس من عواصم البلاد المشهورة كقرطبة،وإشبيلية إلى مدينة مراكش، حيث يوجد كرسي الحلاقة، وحيث يجد هؤلاء المفكرون والفقهاء،والأدباء الأندلسيون عناية فائقة من حيث الإسكان، والتغذية، والتوظيف،وإسناد مناصب القضاء لهم، وكذلك مناصب التدريس في جامع ابن يوسف بمراكش عاصمة الموحدين.
ولعل من أهم الكتاب والفقهاء، والمفكرين الأندلسيين الذين هاجروا إلى عاصمة الموحدين، ومن قبل إلى عاصمة المرابطين، مراكش،وإلى جامع ابن يوسف، خصوصا في عهد عبد المؤمن بن علي، يمكن الاقتصار على الأسماء اللامعة المعروفة في تاريخ الفكر المغربي وهي كما يلي:
أبو بكر بن القصيرة :
وهو الكاتب الأندلسي البليغ ، والفقيه القرطبي المجتهد والمفكر العبقري المشارك الذي هاجر من مدينة إشبيلية إلى مدينة مراكش، على عهد أمير المسلمين السلطان علي بن يوسف بن تاشفين ويروي بعض المؤرخين أنه بعد اتصاله برجال السلطة المرابطين،التحق بجامع ابن يوسف [الجامعة] ليقوم بالتدريس في حلقاتها مع فقهاء مراكش وفاس، وأنه لذلك يعتبر من العلماء والأساتذة الأولين الذين ألقوا عدة محاضرات، ودروس رائعة في جامعة ابن يوسف، كان يحضرها كثير من طلاب وفقهاء ، وأدباء مدينة مراكش.
أبو القاسم الأحدب المشهور بابن الجـد :
وهو الأديب البارع و الشاعر الأندلسي البليغ ، والفقيه الذي ينتسب في آن واحد إلى مدينتي إشبيلية ومراكش، باعتباره قضى ردحا مهما من شبابه وكهولته في مدينة مراكش، أثناء قيامه بالتدريس في جامعة ابن يوسف..
فقد كان هذا الفقيه الأديب من العلماء الأولين الذين هاجروا إلى مراكش في عهد أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين ، وقد أعجب أبو القاسم الأحدب بما شيده السلطان المرابطي في مراكش من الأسوار المحيطة بالمدينة، و من قنطرة وادي تانسيفت، حفاظا على الأمطار من الضياع ، كما أعجب على الخصوص ببناء السلطان المرابطي للجامع الفخم بمراكش ، ومنارته الرائعة البنيان، وهو المسجد الذي أصبح في القرن العشرين يحمل اسم جامعة ابن يوسف بمراكش، وأصبح الفقيه أبو القاسم الأحدب من أول العلماء المدرسين بحلقاته العلمية الجامعة.
وبالإضافة إلى مهنة التدريس في جامع ابن يوسف ، فقد اختاره علي بن يوسف ليعمل في بلاطه كاتبا في ديوانه، ووزيرا مستشارا لـه في المسائل الإدارية والقضائية…
أبو عبد الله محمد بن أبي الخصال :
يعتبر كاتبا أديبا عبقريا ينتمي إلى مدينة شقورة بالأندلس ، ولكنه تألق في علمه وأدبه وكتابته بمدينة قرطبة ، حيث رحل منها مهاجرا إلى حاضرة مراكش، عاصمة المغرب في عهد المرابطين، وذلك في منتصف القرن الخامس للهجرة. ويتفق المؤرخون على أن أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين قد اختاره من بين كتاب ديوانه، ثم أصبح من بين مستشاريه الفقهاء المراكشيين والأندلسيين . وهكذا أصبح أبو عبد الله محمد بن أبي الخصال وزيرا، كاتبا للسلطان المرابطي، ومستشارا خاصا به، فقد عهد إليه أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين بإبداء المشورة والنصيحة في كل مشروع سياسي، أو إداري، أو ديني، عزم على تحقيقه، ” وقد كان أيضا من بين الأساتذة الأولين الذين قاموا بالتدريس في جامع أو جامعة ابن يوسف بمراكش”
أبو الوليد محمد بن رشد الجـد :
يعتبر أبو الوليد محمد بن رشد الكبير أي الجد علما عظيما من أعلام الأندلس، وقد كان فقيها مجتهدا ، وقاضيا عادلا بقرطبة في القرن الخامس، ولكنه لما علم بانتصارات يوسف بن تاشفين على الأسبان المعتدين ، حيث أنقذ بلاد الأندلس من براثن الاحتلال والظلم، “هاجر تلقائيا من مسقط رأسه بقرطبة إلى مدينة مراكش ، حيث حل ضيفا مكرما على أمير المسلمين علي “بن يوسف بن تاشفين ، وعمل في بلاطه كمستشار ، ثم عين أستاذا جامعيا “في جامعة ابن يوسف بمراكش، وكان كثير من الفقهاء والطلبة و الأساتذة “المراكشيين يحتشدون في حلقة دروسه، ليستفيدوا من نبعه المعطاء، “وليناقشوا أفكاره واجتهاداته في الفقه والقضا، والفتوى ، والفكر “الإسلامي. ويظهر أنه قد أكمل تأليف كتابه : “البيان والتحصيل في “التوجيه والتعليل” في العاصمة مراكش التي سكن فيها مكرما، وقضى بِها “جزءا مهما من حياته الزاخرة بأعمال التأليف والتدريس والمحاضرة في “الفقه والأصول والحديث، و في مختلف مجالات العلم والفكـر”.
وهكذا يعتبر العلامة ابن رشد الجد في نظر كثير من المؤرخين بمثابة عالم نشأ في قرطبة بالأندلس، وأتم دراسته وتأليفه في مدينة مراكش عاصمة المرابطين، حيث كان يقوم بمهمة مستشار لأمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين، وأستاذا بجامعة ابن يوسف ، ورئيسا لجماعة الفقهاء المراكشيين المستشارين في بلاط المرابطين.
العلامة مالك بن وهيب الأندلسي :
إنه الفقيه المفكر والكاتب العبقري مالك بن وهيب الأندلسي الذي ولد بمدينة إشبيلية بالأندلس، ونشأ بمدينة قرطبة ، ثم هاجر منها إلى مدينة مراكش عاصمة المرابطين ، حيث اتصل بأمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين الذي عينه مستشارا سياسيا وقضائيا في ديوانه، مع مجموعة من الكتاب والعلماء من مراكش وفاس، والأندلس …
وفور وصوله إلى مراكش، كان المهدي بن تومرت يلقي دروسا في جامع ابن يوسف، ويتجمع حول حلقته بالمسجد كثير من الطلبة والأساتذة والأدباء الذين أعجبوا بفصاحة المهدي بن تومرت، ودعوته إلى الحد من سلطة الفقهاء المراكشيين في تسيير شؤون الدولة، واهتمامهم بفروع الفقه دون الأصول.
كان ذلك سببا في اعتقال المهدي بن تومرت من طرف رجال السلطة بمراكش، وتقديمه لأمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين الذي أطلق سراحه، وقد عين السلطان علي بن يوسف مستشاره الكاتب المفكر مالك بن وهيب، لتنظيم ندوة فكرية سياسية على الصعيد الوطني يساهم فيها علماء مراكش وفاس والأندلس، ويتناظرون مع المهدي بن تومرت في جامعة ابن يوسف، ويكتبون عنه تقريرا ضافيا يرفعونه لأمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين…
أبو بكر محمد الصيرفي الصنهاجي :
يعتبر الكاتب المؤرخ العلامة أبو بكر محمد الصيرفي الصنهاجي واحدا من كبار الأساتذة المراكشيين، والأندلسيين الذين عملوا في سلك القضاء ، والإدارة بديوان أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين . فقد عمل ببلاطه مستشارا إداريا، ثم عمل في سلك علماء وأساتذة جامعة ابن يوسف بمراكش، وقد اشتهر بتأليف كتاب مهم أسماه :” الأنوار الجلية في أخبار الدولة الصنهاجية ” ويعني بها الدولة المرابطية بمراكش، وقد ذكر الأستاذ محمد بن عثمان في كتابه القيم “جامعة ابن يوسف” أن العلامة أبا بكر محمد الصيرفي الصنهاجي يعتبر من العلماء المراكشيين الصنهاجيين الذين درسوا في جامعة ابن يوسف بمراكش بجانب العلماء والأساتذة الأندلسيين.
الطبيب الفيلسوف العلامة عبد المالك بن زهر:
يعتبر الطبيب الأندلسي العلامة عبد المالك بن زهر من فقهاء ، وفلاسفة قرطبة، ويعتبره بعض المؤرخين من علماء وأطباء مدينة مراكش لأنه نشأ فيها منذ نعومة أظفاره، وقضى في جامعتها المشهورة “جامعة ابن يوسف” ردحا مهما من شبابه وكهولته ، وكانت داره بمراكش التي عمل بِهـا مستشارا بالبلاط المرابطي، وقد قدم إلى مراكش في عهد أمير المسلمين يوسف بن تاشفين الذي كلفه بعلاج المعتمد بن عباد ، وزوجته في مدينة أغمات .
أبو العباس أحمد بن العريف الصنهاجي المراكشي:
وهو من كبار رجال التصوف والفكر الإسلامي المثمر، ويروي المؤرخون أنه غادر بلاد الأندلس ، واتجه إلى مدينة مراكش في عهد أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين ، وأسـس في حاضرة مراكش مذهبا للتصوف، تبناه من بعده كثير من العلماء المتصوفين، وخصوصا منهم العلامة المصلح الاجتماعي الكبير الشيخ أبو العباس السبتي المراكشي، الذي اشتهر عند علماء الاجتماع والتاريخ بفكرته الإصلاحية الرئيسية المتعلقة بالدعوة إلى الإنفاق في سبيل الله على الفقراء والمساكين والمعوقين، بكل ما يملكه المنفق المؤمن من إيمان بالله ، ونية صالحة وكرم لا متناهي وهي ” فكرة أن الوجود ينفعل بالجود” .
وكان أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف بن العريف، من فقهاء و أساتذة جامعة ابن يوسف ، وقد اشتهر في مراكش بزعامته للحركة السلفية المعتمدة على فقه الإمام مالك والسلفي الجنيد ، وهي حركة سلفية علمية اجتماعية تدعو الشعوب الإسلامية ، والملوك و العلماء المصلحين إلى توحيد دعوتهم لصالح جمع كلمة الأمة الإسلامية على الرغم من اختلاف المذاهب الفقهية
أبو عبد الله محمد بن أحمد السرقسطي المراكشي :
وهو من كبار الفقهاء الأندلسيين الذين هاجر أجدادهم إلى مدينة مراكش واستوطنوها ، وتعلموا في معاهدها ، وساهموا في التدريس بمساجدها ” وقد كان بحرا في العلم والحديث ، وكان مكثرا و متسع السماع وصحيحه” كما ترجم لـه بذلك صاحب الذيل والتكملة. وكان أبوه الفقيه السراقسطي المراكشي من الفقهاء الذين تولوا الإمامة للصلاة، والتدريس في جامع [جامعة] ابن يوسف بمراكش .
القاضي عياض السبتي المراكشي :
يعتبر القاضي عياض بن موسى اليحصبي، وهو من مواليد سبتة، ولكن نشأته بمراكش، وهو من أعظم الفقهاء و المحدثين و القضاة الذين نبغوا في عصر الموحدين بمراكش، وكان قد تلقى دراسته بمدينة سبتة المغربية، واستكمل هذه الدراسة بالأندلس، خصوصا في مدينة قرطبة.
ولد القاضي عياض بمدينة سبتة سنة 476 هجرية 1083 م وتوفي بمدينة مراكش سنة 544 هـ الموافقة لتاريخ 1149م ،و لـه مؤلفات كثيرة في الفقه والحديث والسيرة النبوية من أهمها كتاب” مشارق الأنوار” وكتاب “الإعلام بحدود وقواعد الإسلام” وكتاب ” الشفاء في سيرة المصطفى” وكتاب “ترتيب المدارك” ….
وكان القاضي عياض شديد التعلق بمذهب الإمام مالك ، وكبير التعلق والانتصار لدولة المرابطين بمراكش، وقضى عشرين سنة في القضاء بمدينتي سبتة وغرناطة، ثم هاجر في عهد الموحدين إلى مدينة مراكش، حيث أكمل فيها بحوثه وكتبه في الفقه والحديث ، ويظهر أنه كان من علماء جامع ابن يوسف (الجامعة) في عهد الموحدين .