كنا نشعر بالقلق ونتساءل عما قد يحدث للعالم إذا أصبح ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، لكن يبدو أن ترامب قد شكّل حكومة تجعل منه الأكثر عقلانية مقارنة ببقية أعضاء فريقه.
وعند رؤية هذا الفريق، يشعر الإنسان وكأنه يجب عليه ربط حزام الأمان بإحكام كما لو أنه سيواجه اضطرابًا في الطائرة، وربما حتى وضع قناع الأكسجين.
تشكيلة الحكومة
لقد قرأتم على الأرجح مقالات عدة خلال الأيام الماضية عن الحكومة التي شكّلها ترامب؛ حيث يتميز نائب الرئيس جي دي فانس بتقلب المزاج، ويُعرف وزير الخارجية ماركو روبيو بعدائه للصين وإيران، وولائه الشديد لإسرائيل، بينما يبدو وزير الدفاع وكأنه نجم على وسائل التواصل الاجتماعي.
أما رئيس المخابرات الوطنية، فهو يميل إلى روسيا ويعادي المسلمين، في حين أن وزير الصحة يتبنى مواقف راديكالية ضد اللقاحات.
لن أكرر هذه التفاصيل، ومع ذلك، دعوني أذكر الخصائص المشتركة لهذه الحكومة بشكل نقاط:
*إذا كان نتنياهو هو من شكّل هذه الحكومة، لربما لم يكن ليتمكن من جمع هذا الكم من المؤيدين لإسرائيل، فالسمة الأبرز لهذه الحكومة هي أنها ليست فقط مؤيدة لإسرائيل، بل مهووسة بها.
*جميع أعضائها شعبويون وقوميون، فهي تتكون من فريق اتّبع التيار الأبرز في العصر، وجعل من الشعبوية أسلوبه، مع تفضيل مفرط للقومية الأميركية.
*لا يوجد بينهم من ينظر إلى المهاجرين، أو الأعراق المختلفة، أو الثقافات الأخرى بشكل إيجابي.هم جميعًا معادون للصين وإيران، وربما هم معادون للمسلمين أيضًا.
*وهم مستعدون لتجاهل القيم الإنسانية والأخلاقية إذا كانت المصالح الأميركية على المحك، ويتصفون بالكثير من البراغماتية.
*هم مجموعة تحب التجاوزات، وتستخف بالقواعد التقليدية للسياسة.
*جميعهم يتبنون سياسات راديكالية، دون أن يكون بينهم “حمامة” سلام.
كيف سيتحركون وعلى أي أساس سيتخذون قراراتهم؟
لا يمكننا أن ننظر إلى هذا الفريق ونقول “لا بأس”، هل تعلمون لماذا؟ لأن هؤلاء الأشخاص سيتحكمون بأكبر آلة حرب في العالم، وبالأسلحة النووية، وبالأدوات الاقتصادية التي قد تزلزل الاقتصاد العالمي في لحظة.
تخيلوا إضافة جنون هذا الفريق إلى السياسة الخارجية الأميركية المتقلبة التي شهدناها، كخروجهم المفاجئ من أفغانستان أو إعلانهم الانسحاب من سوريا دون تطبيقه؛ حيث لم يعد هناك آلية لوقف تحركاتهم، كإرسال حاملات الطائرات من مكان لآخر، أو إطلاق الصواريخ بقرارات عشوائية.
وذلك لأن ترامب الآن يملك ما يسمى بـ”الأغلبية المطلقة” في الكونغرس، ومجلس الشيوخ والبيت الأبيض. وفي فترته الرئاسية الأولى، كان مبتدئًا يتعرف على الدولة. أما الآن، فقد عاد إلى السلطة كـ”أسد جريح”، لكنه أكثر خبرة.
من الممكن إلى حد كبير توقع كيفية تصرف هذا الفريق في عملية اتخاذ القرارات:
سيرفضون السياسات التقليدية والمناهج الدبلوماسية المعتادة، وستكون قراراتهم سريعة وغير متوقعة في كثير من الأحيان.
شعار “اجعلوا أميركا عظيمة مرة أخرى” سيكون مظهرًا لسلوك تجاري بحت، مع تجاهل كبير للقيم الإنسانية والأخلاقية، مما يعني أنهم سيضعون مصالح الولايات المتحدة فوق كل شيء في الساحة العالمية.
في الشرق الأوسط، سيبتعدون عن التحالفات التقليدية، ويتحركون بناءً على تفضيلات دينية وسياسية، مع تركيز خاص على التحالف مع إسرائيل، على غرار إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل.
بدلًا من الاعتماد على المعلومات والبيانات في تحديد سياساتهم، سيتحركون بدوافع قومية متطرفة، ومشاعر جياشة، وسلوكيات شعبوية، مما قد يؤدي إلى مزيد من التوترات والمفاجآت.
قد يربحون على المدى القصير، لكنهم سيخسرون على المدى الطويل.
هذه الدوافع ستجعل أميركا تحقق مكاسب على المدى القصير، فقد تسيطر على مواقع عدة وتتعزز اقتصاديًا. كذلك، قد نشهد أحداثًا فوضوية على مستوى العالم؛ بسبب سياسات هذا الفريق المتقلبة.
لكن على المدى الطويل، ستؤدي هذه السياسات إلى تراجع قوة أميركا عالميًا، فنظرًا لتبنيهم المطلق لإسرائيل، أصبحت صورة الولايات المتحدة سلبية للغاية، ووصلت الكراهية تجاهها إلى أعلى مستوياتها. وعلى مدى السنوات الخمس القادمة، من المتوقع أن تتزايد الكراهية والابتعاد عن أميركا.
مع هذا التحول، سيتجه الجميع إلى الصين أو الهند. الصين، بصبرها الإستراتيجي، وتقدمها الصامت وقوتها الاقتصادية، ستكون وجهة لمن يسعى للابتعاد عن أميركا.
أما روسيا، فستبدأ مرحلة التعافي بمجرد انتهاء الحرب في أوكرانيا.
أما بخصوص محاولات أميركا للحفاظ على دورها كقوة عظمى، فقد يكون هذا الفريق مشكلة، خصوصًا في الشرق الأوسط، حيث لا يمكن التنبؤ بالأزمات التي قد يثيرها هذا الفريق المتعصب والمتحمس لإسرائيل.
على الأرجح، ستضطر الدول في المنطقة لربط الأحزمة لتحمل تبعات تلك العواصف بأقل الخسائر الممكنة.
لكنْ هناك تساؤل آخر: هل هذا التيار الشعبوي المتطرف مؤقت أم دائم؟ هل هذه الحالة الاستثنائية ستدوم؟
أميركا مرت بتجربة مشابهة في خمسينيات القرن الماضي في فترة الحرب الباردة، عندما سيطرت ما تسمى “المكارثية” وشهدت هستيريا معادية للشيوعية طالت العالم بأسره، لكنها تلاشت لاحقًا.