الصفحة الرئيسيةأخبار العدوان على غزة

وقف إطلاق النار.. ما الذي خسره الكيان؟ وما ذا تحقق حتى نفرح

علام يحتفل الفلسطينيون ولا سيما أهل غزة؟ بأي شيء يفرحون؟ وعلى أي إنجاز حققوه يرقصون ويغنون؟ هل أحرزوا نصرًا يستحقون به كل هذا الفرح والمرح؟

وأين هو النصر وقد تهدمت غزة على رؤوس أهلها؟ فلم يسلم من الديار إلا أطلال متناثرة بين تلال من الحطام وجبال من الركام، ولم ينجُ من ساكني الديار فلم يصبه الموت أو الأسر أو التهجير من شمال غزة إلى جنوبها إلا من ضُرب بهم المثل في الصمود الأسطوري!

لقد وضع الصهاينة أهدافًا للحرب، تبدأ من القضاء على المقاومة وتنتهي بإعادة ترسيم المنطقة، فهل نجحوا في القضاء على المقاومة؟ كلّا لم ينجحوا، وتلك هي الخسارة الكبرى لإسرائيل ولحكومة نتنياهو، وللمشروع الصهيوني كله، أمّا المقاومة فإن المصائب التي لا تقصم الظهر تقويه.

تساؤلات تنطلق في الأجواء عقب الاتفاق على وقف إطلاق النار وإجراء صفقة تبادل بين حماس والكيان الصهيوني، وما أحدثه هذا الاتفاق من ردة فعل شعبية غزاوية، كانت مفاجأة للكثيرين مثلما كان صمود أهل غزة مفاجأة مذهلة لساكني الكوكب الأرضي، فكيف نفهم هذا التصرف من هذا الشعب الاستثنائي؟ وهل ثمة طريقة نفهم بها حقيقة الانتصار على خلاف المعتاد؟

خسائر لا تتحملها دولة كبيرة

على الرغم من تكبُّد العدو الصهيوني خسائر فادحة لم يسبق له أن تكبَّدها في أي حرب خاضها مع العرب، حيث آلاف الجنود والضباط قُتلوا في خضم المعارك قتلًا ذريعًا، وحيث آلاف الآليات الثقيلة من دبابات الميركافا وحاملات الجند والجرافات العملاقة وغيرها ممّا يُعَد الأكثر تقدمًا في العالم؛ دُمرت تدميرًا، إضافة إلى الخسائر الفادحة التي لحقت باقتصاد الكيان، لكن خسائر غزة البشرية والمادية والاقتصادية كانت أشد فداحة، فلقد بلغ عدد الشهداء إلى اليوم نحو 47 ألفًا أغلبهم من المدنيين، وكثير منهم أطفال ونساء، بجانب الذين أُسروا أو جُرحوا أو حدثت لهم تشوهات أو هُجّروا وطوردوا وتمَّ ضخهم قسرًا في مسار هجرة دائبة دائمة داخل غزة، لا يكادون يحطون رحالهم حتى يتأهبوا للرحيل مرة أخرى. أمّا حجم الدمار فلا مقياس له ولا معيار، ففي عام واحد فقط من الحرب التي استمرت عامًا وثلاثة أشهر أو يزيد، بلغت نسبة المباني المدمرة أو المتضررة 60%، ونسبة الطرق الرئيسية المدمرة أو المتضررة 92%، ونسبة المرافق الصحية المتضررة أو المدمرة 84%، ونسبة مرافق المياه والصرف الصحي المدمرة أو المتضررة 67%، أمّا الخسارة الإجمالية بالدولار فيكفي أن تقدير الخسائر في الأشهر الثلاثة الأولى فقط 18.5 مليار دولار، فعلى أي مقياس وبأي معيار وحسب أي منطق نقول إن غزة انتصرت؟!

معيار الانتصار

لعل أهم ما يحتاج إلى إعادة تعريف في الحياة المعاصرة هو الانتصار العسكري، بل إنه حتى في المعارك والحروب القديمة لم ينحصر مفهوم الانتصار دائمًا في الحسم العسكري، ولا في حجم الخسائر المادية والبشرية، وما نستطيع أن نقوله في معيار الانتصار العسكري أنه “النجاح في تحقيق أكبر قدر ممكن من أهداف الحرب بخسائر لا تهدر قيمة ما تحقق من الأهداف”، فإذا لم نعتمد هذا التعريف أو تعريفًا قريبًا منه، وتمسكنا بالمعيار التقليدي الإحصائي العددي؛ فسوف نضطر إلى الحكم على جميع حركات المقاومة للمحتل بالهزيمة والفشل، لمجرد أن أعداد الذي قُتلوا من رجال المقاومة ومن فئات الشعب أكثر بكثير من أعداد الذين قُتلوا من المحتل، وسوف نجد أنفسنا في موقف حرج مع جملة من الانتصارات العظيمة التي ربما اكتسبت رونقها من حجم ما بُذل فيها من تضحيات، وفي موقف خاطئ من إنجازات أسطورية تحققت بأيدي المقاومة المكلومة، ما كان لها أن تتحقق لو لم تكن هناك مقاومة.

ما الذي خسره الكيان الصهيوني؟

دعْكَ من حجم الخسائر المادية والبشرية، فعلى الرغم مما يبدو من حرص الصهاينة على استعادة الأسرى فإن الحقيقة المستكنة هي عدم اكتراثهم بقيمة الإنسان، ولَكَم تمنى نتنياهو أن يباد “الرهائن” في طرفة عين؛ فيبكوهم أيامًا ثم يتخلصوا من عبئهم وعبء الواقفين خلفهم؛ ليخلصوا إلى الغاية التي يريدون، والتي لم تتحقق، وهذه أولى الخسائر، فلقد وضع الصهاينة أهدافًا للحرب، تبدأ من القضاء على المقاومة وتنتهي بإعادة ترسيم المنطقة، فهل نجحوا في القضاء على المقاومة؟ كلّا لم ينجحوا، وتلك هي الخسارة الكبرى لإسرائيل ولحكومة نتنياهو، وللمشروع الصهيوني كله، أمّا المقاومة فإن المصائب التي لا تقصم الظهر تقويه.

ثمن الطوفان.. هل انتصرت إسرائيل؟
ولقد كان المشروع الصهيوني قاب قوسين أو أدنى من بلوغ الغاية، التطبيع يتوسع ويترسخ، والعقد الإبراهيمي وصفقة القرن يعدّان المنطقة كلها لتكون سياجًا للحلم الصهيوني الكبير، والصهيونية -فكرة وأيديولوجية- تتوغل في العقلية الغربية والشرقية، والدولة الزنيمة التي بُنيت على أرض مغتصبة صارت -وجيشها الذي لا يُقهر- أنموذجًا يُحتذى في الالتزام بالقيم الحضارية. فجأة انفرط العقد الكاذب، وتدافعت حباته في سباق محموم إلى الهاوية، العالم المعاصر ولا سيما الغربي -وبخاصة الأمريكي- يصحون على كابوس مروع، لقد كانت كذبة كبيرة تعيشها الشعوب في ظل حضارة تتأبط الصهيونية، ولقد كانت البرلمانية الكندية اليهودية نعومي كلاين في قمة إبداعها -وهي من أهل الإبداع الفكري بلا ريب- عندما أطلقت وصف “الصنمية المعاصرة” على الأداء السياسي الجماعي المناصر للمشروع الصهيوني.

ما المكاسب التي حققتها المقاومة؟

أمّا المقاومة فمجرد بقائها في نحر الصهيونية مكسب كبير وانتصار ساحق، فلقد أيقن كل من يقطن الأرض ويدب عليها من حاضر وبادٍ أن الكيان الصهيوني الذي يمده من بعده سبعة أبحر تسبح فيه حاملات الطائرات العملاقة والغواصات المرعبة التي ألقت فيها أمريكا وبريطانيا وأوروبا من الأسلحة الفتاكة ما يشيب لها الولدان، لم يستطع على مدى خمسة عشر شهرًا أن يقضي على مقاومة نبتت بذورها في رقعة من الأرض لا تكاد تُرى على خريطة المنطقة فضلًا عن العالم الرهيب المهيب، محاصَرة منذ عقود، معزولة لا يدخل إليها سلاح ولا غذاء ولا دواء ولا تكنولوجيا، محرومة من كل شيء حتى الميناء الذي تنفتح منه على العالم، والمطار الذي ترى من خلاله الدنيا. إنه والله الانتصار في أجلى صوره عند من يرى بعين البصيرة، ولسوف تمضي المقاومة في طريقها حتى ولو لم تسعد بمظلة حماس السياسية، إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا. أمّا على المستوى الدعوي والدعائي للقضية وللإسلام ذاته، فيكفيك أن ترتاد المواقع الكبرى وتتريض بين القطوف الإعلامية التي تصور لك حجم الإقبال من شباب الغرب على دعم القضية وعلى اعتناق الإسلام؛ لتعلم كيف أن المقاومة انتصرت في نفسها، وانتصرت بها الأمة.

المصدر : الجزبرة مباشر

arArabic