الصفحة الرئيسيةمراكش الذاكرة

هذا في 2007 : سيارات الأجرة في مراكش: الأجانب أولا .. والعداد “غير انت ووجهك”

عبد الكبير الميناوي .. أرشيف المراكشية (أكتوبر 2007)

تختنق مراكش بزوارها القادمين من داخل المغرب وخارجه. مدينة ساحرة، تتطلع نحو المستقبل بكثير من الأسئلة حول اللون الذي سيصير لها، وإن كان بإمكانها أن تحافظ على بهجتها وبساطتها.

حافلات “ألزا” تخيط المدينة والضواحي. أرقام لكل الاتجاهات وعناوين لتقريب المسافات. عرصة البيلك. الرويضات. عرصة السباعي. النخيل. عرصة الملاك. مرجان. المسيرة. تاركة. سيدي يوسف بن علي. سيدي ميمون. الحي المحمدي.
مطار مراكش المنارة وأبواب المدينة : باب الرب. باب اكناو. باب اجديد. باب النقب. باب دكالة، والزيتونات السبع المعلقات ما بين السماء والإسمنت المنتصب على شكل تذكارات تحيل، ربما، على السبعة رجال.
يحل بالمدينة نجوم من عوالم الرياضة والسينما والموضة والاقتصاد والتجارة. سواح من عالم باذخ. منهم من يفضلها جولة خاطفة. منهم من يصاب بحب الاستقرار الدائم بعد اقتناء دار عتيقة و إصلاحها، وربما تحويلها إلى دار ضيافة.
انتهى الأمر بقاصدي مراكش من السواح الآتين من أوربا وأمريكا، إلى التعامل بحزم زائد وقلق ظاهر، مع شيء من التأفف، من بعض سائقي سيارات الأجرة وأصحاب المقاهي والمطاعم والبازارات، ممن يبدو أمامهم السائح مثل بنك متحرك.
بعض سائقي سيارات الأجرة لا يشغلون العداد، ويكتفون عند نهاية الرحلة بعبارة : ” غير أنت ووجهك”.
بعضهم، يرابط باستمرار أمام الفنادق والمطاعم المصنفة، في انتظار سائح تائه أو مغربي “ناشط” أكثر من اللازم.
بعض سائقي سيارت الأجرة صاروا متخصصين في نقل السياح. هم يرفضون نقل المغاربة. يطرح تفضيل السياح الأجانب على المغاربة كثيرا من علامات الاستفهام، التي تجد بعضا من أجوبتها في تأفف السياح من المقابل الذي يُطلب منهم عند نهاية الرحلة.
كثير من السياح فهموا اللعبة فصاروا يطالبون باستخدام العداد.
المغاربة لم يفهموا شيئا. في مراكش قد يتفهم زوار المدينة من المغاربة أن يبيعهم بازاريست تذكارا بثمن مبالغ فيه. ذلك منطق السوق والبيع والشراء. أما أن يقف السائح المغربي أو حتى ساكن المدينة، جنب نادي المتوسط (كلوب ميد)، مثلا، بعد جولة جميلة في عالم ساحة جامع الفنا، طالبا سيارة أجرة تقله إلى مكان إقامته، ثم يخبره السائق أنه “ماخدامش”، وبعد لحظات يفتح نفس السائق الباب أمام سائح أجنبي، فذلك ما قد يشعر المغربي بانعدام الوزن ويدفع به إلى الانفعال والغضب. عندها قد يتمنى المرء لو يخرج من جسده وملابسه ليتحول إلى رجل سلطة بنفوذ لا حد له ليرد الإهانة، أو على الأقل، ليذكر السائق بالشروط التي تحكم عمله كسائق سيارة أجرة.
يستحيل أن يتحول المرء في لمح البصر إلى رجل سلطة بمفاتيح نفوذ وسلطة لا حدود لهما، لذلك يكتفي بالشتائم التي تتطاير في الهواء دون جدوى أو يسجل رقم سيارة الأجرة متوعدا السائق برفع شكاية إلى المصالح المختصة، مع أنه يعرف في قرارة نفسه أنه لا يفعل أكثر من “فشّان الغدايد”.
بعض السائقين لا تكفيهم المحطات الخاصة بوقوف سيارت الأجرة ولا التجول عبر الشوارع لنقل الركاب، بعد أن صاروا يقترحون أرقام هواتفهم على الزبناء، مقترحين استعدادهم للخدمة في أي وقت وظرف. غالبية زبناء هواتف سيارات الأجرة هم من “فتيات آخر الليل” أو من “السياح”.
ذات مساء، تحركت بي سيارة أجرة من أمام محطة القطار بمراكش. في منتصف الطريق سيرن هاتف السائق. على الجانب الآخر من الخط كان هناك سائح فرنسي. هذا ما فهمت من الحوار الذي دار بين السائق ومخاطبه (أظن أن الرد على الهاتف فيما السيارة تتحرك على طريق السلامة والحوادث ممنوع. أليس كذلك؟). انتهى السائق بأن اقترح على مخاطبه أن ينتظره في مكان معلوم خلال خمس دقائق. أغلق السائق هاتفه، ثم خاطبني، راسما ابتسامة لمست فيها خبثا غريبا، قائلا : “عفاك آصاحبنا. هذا هير واحد الكليان كيتسناني. غادي نشوف لك شي تاكسي توصلك”.
لم أكن أتصور أن صفاقة البعض يمكن تصل إلى هذا الحد. خلال الثواني الفاصلة بين الطلب الصادم والجواب المنتظر، تساءلت مع نفسي كمن يبحث عن معنى أو منطق للأشياء.
في النهاية، فضلت أن أنشغل بهذا السائق عن تعب قطار الرباط – مراكش فأعطيه درسا أعرف مسبقا أنه لن يجدي معه نفعا، مادام في قمة انجرافه مع التيارات الباردة التي هجمت على المدينة مغيرة في مبادئ وطريقة تفكير الكثيرين.
لحسن الحظ أن هذه العينة لا تشكل نسبة مهمة بين سائقي سيارات الأجرة بمراكش، ممن أحتفظ لكثير منهم بوعي جميل وصورة تنقل لمعرفة رفيعة بالمدينة … تاريخا وحاضرا وواقعا ملتبسا. لكن هذه الفئة القليلة التي لاتهمها لا صورة ولا مستقبل السياحة بمدينة السبعة رجال، قد صارت مثل المرض الذي يستوجب واجب التصدي حفاظا على سمعة المدينة واحتراما لمشاعر مغاربة لم يكن لهم من ذنب سوى أنهم ولدوا أو استقروا بالمدينة أو قصدوها للاستمتاع بسحرها … فإذا السحر يتيه بين دخان وعجلات بعض سيارات الأجرة المتهالكة.

arArabic