سبق لجلالة الملك أن اعتبر إجراء الاقتراعات، المحلية والجهوية والبرلمانية، في يوم واحد، دليلا على قوة المغرب المؤسساتية.
وجاء في خطاب ملك البلاد بمناسبة ثورة »الملك والشعب«، أن هذه الاستحقاقات، تتميز بإجراء الانتخابات التشريعية والجهوية والمحلية، في نفس اليوم.
«وهو ما يؤكد عمق الممارسة الديمقراطية، ونضج البناء السياسي المغربي»، وهو نفس المنحى الذي اتخذته مواقف الدول ومراكز الدراسات والإعلام الدولي، الذي تابع الانتخابات الوطنية.
بعض الدول مثل أمريكا والبرتغال هنأت المغرب على نجاح العملية الانتخابية، فالولايات المتحدة جعلت منها، عبر السفارة بالرباط، دليلا على قوة الشراكة الديموقراطية، مهنئة المملكة على نجاحها في تنظيم الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية ل 8 شتنبر 2021، وتابعت السفارة: «التزامنا المشترك بالإجراءات الديمقراطية يعزز شراكتنا لمدة 200 عام».
كما وقفت دول أخرى عند طابعها الاستثنائي، في سياق الجائحة وفي مواجهة الاستحقاقات كلها دفعة واحدة، وبانخراط مهم من طرف الساكنة.
أول شيء يسترعي الانتباه لدى الصحافة الدولية هو هزيمة ال «بيجيدي» الكبيرة والمؤلمة، وما تعنيه في سياق وطني وآخر إقليمي
ويتأكد، من خلال الهزيمة، حصول تناوب سياسي، بدون المرور عبر استعصاءات سياسية وأخرى نظامية عرفتها دول أخرى.
وعنوان الهزيمة هو أنهم جاؤوا بصناديق الاقتراع وذهبوا بها، ودخلوا من بوابة الانتخابات وخرجوا من نفس البوابة.
ونحن أمام خلاصتين على الأقل:
الأولى: حصول تداول على السلطة عبر صناديق الاقتراع، وهو ما يفتح التاريخ أمام تناوب جديد، دعا إليه الاتحاد الاشتراكي منذ شهور عديدة.
الثانية: تركيز الاستثناء المغربي في تدبير التعددية المتفرعة عن الربيع العربي، وذلك باحترام سيادة الاقتراع وتحقيق التداول حول السلطة في فضاء عربي وشمال إفريقي بدون أي استثناء كان….
ومما أثار انتباه المراقبين أيضا، هو قدرة المغرب على صناعة النموذج في ما يتعلق بهذه الاستحقاقات، وإن لم يجد فيه الجميع ما يصبو إليه.
وفي هذا السياق أكدت المجلة الإسبانية «أتالايار»، في عددها ليوم الجمعة، أن الانتخابات رسخت مكانة المملكة «كنموذج في المنطقة».
وأبرزت المجلة الإسبانية المتخصصة في الشؤون المغاربية، أنه «ولأول مرة في تاريخ المملكة المغربية، جرى تنظيم الاستحقاقات التشريعية، الجهوية والمحلية في نفس اليوم، وفي السياق الصحي للوباء»، مسلطة الضوء على النجاح الذي حققه تنظيم هذا الموعد الانتخابي.
وسجل الكثيرون أن المغرب لم يستلم لاشتراطات الوباء العالمي، ولم يكيف انتخاباته مع ظروفها القاسية، بل لعله طوَّع شروط الوباء مع التزامه الديموقراطي، وقد كان بذلك أول بلد إفريقي وعربي يجري انتخابات دون الحاجة إلى تأجيلها، كما حدث في دول بالمنطقة.
إنه التعايش مع الوباء في أجلى صوره!
التعايش الديموقراطي المؤسساتي بدون الخضوع لرهاب الجائحة، وبالرغم من العديد من الإشارات السلبية التي لا يمكن القفز عليها في تعامل جزء من النخبة الحزبية المغربية مع الاحترازات، يمكن القول إن المغرب تعايش مع الوباء ولم يعطل بسببه انتظاميته الديموقراطية وحافظ على مواعيد التعددية بدون تنازلات كبيرة.
2/ المشاركة السيادية لأبناء المناطق الصحراوية، بشكل يعبر عن استفتاء حقيقي، من لدن الساكنة، وقد بلغت نسبة المشاركة أعلاها في أقاليمنا الجنوبية، ويأتي هذا المعطى في وقت تراه الدول المناهضة لحق المغرب، «مناسبا» لتحيين عداوتها وتنشيط متلازمة العدو الخارجي ممثلا في المغرب، وفي توقه إلى توحيد ترابه!
والمشاركة المكثفة تكشف إرادة الساكنة في انتخاب ممثليهم المستقبليين ديمقراطيا، وقد كان لافتا ما دونه «البشير ادخيل»، وهو واحد من مؤسسي البوليزاريو بخصوص الموضوع: «لقد أظهر فحص الأمس أن غالبية الصحراويين يريدون السلام والاندماج داخل المغرب. إنه استفتاء حقيقي».
وما هو مثير هو أن هذه المشاركة جاءت كرد على الحملة التي قادها البوليزاريو منذ شهور للدعوة إلى المقاطعة…، ومحاولته اليائسة لعزل الصحراويين المغاربة عن استحقاقات بلادهم، والرد هنا هو بمثابة إعلان وفاة الأطروحة الانفصالية في عز التقلبات الإقليمية في غرب المتوسط!
هناك جوانب أخرى تسترعي التوقف عندها، لكنها جوانب تنتمي إلى ما قد يصطلح عليه ملاحظات في الشكل، تمثلت في النزول الكثيف لأصحاب المال، واستمالة جزء من المراقبين أو تلكؤهم في مد المراقبين بالمحاضر وتعطيل الحواس السياسية عند الاستحقاق، وعزوف الطبقة المتوسطة الواضح وبروز ملحوظ لقوى اليسار، بقيادة الاتحاد الاشتراكي، رغم تفاوت أداء الأجهزة والفاعلين!
تبقي الرهانات السياسية لما بعد الاستحقاقات، محددا أساسيا في عمل الحكومة، من خلال بوابة تنزيل النموذج التنموي الجديد، عبر الميثاق الوطني للتنمية، وكذا تحصين الإجماع الوطني حول مشروعية مطالبنا الترابية في سياق الجوار العدائي الذاهب نحو التصعيد…
وهذا أمر يفوق الحكومة وحدها!
عن الاتحاد الاشتراكي