ترجمة : سعيد بوخليط
تقديم :
يوم 14 يوليو1930،استقبل ألبرت أينشتاين داخل منزله المتواجد في ضاحية برلين، الفيلسوف الهندي والموسيقار،رابندرانات طاغور،المتوج بجائزة نوبل سنة1913
خاض الاثنان في موضوع إحدى النقاشات الأكثر إثارة عبر التاريخ،المتمثل في سبر أغوار العلاقة بين العلم والدين،لكن خاصة ما الواقع ثم الحقيقة؟تصادم الروحانية الهندية وكذا عبقرية أينشتاين… تستعرض هذا الورقة جانبا من بعض فقرات الجدال :
*أينشتاين:هل تعتقدون بأن الإلهي يكمن خارج العالم؟
*طاغور: ليس خارجا.ينطوي الكون على شخصية الإنسان اللانهائية.بالتالي،لايمكنه أن يجسد قط شيئا ثانيا غير انتمائه إلى الشخصية الإنسانية،مما يؤكد بأن حقيقة الكون هي الحقيقة الإنسانية.أتناول واقعة علمية كي أشرح ذلك.تتكون المادة من بروتونات وإليكترونات،مع وجود فراغات بينها؛مع ذلك تبدو المادة صلبة.أيضا تتألف الإنسانية من أفراد،لكنهم مترابطين،وضع يمنح عالم الإنسان وحدة حية.بكيفية مماثلة،الكون متصل معنا، إنه كون إنساني.أقتفي أثر هذا التأمل عبر الفن،الأدب وكذا الوعي الديني للإنسان.
*أينشتاين:يوجد مفهومان مختلفين بخصوص طبيعة الكون : -1 العالم باعتباره وحدة رهينة للإنساني. -2 العالم كحقيقة مستقلة عن العامل الإنساني.
*طاغور :حينما يتناغم وجودنا مع الإنسان،والأبدي،ندرك حينئذ معنى الحقيقة، ونحس بالجمال.
*أينشتاين : يمثل هذا التصور مفهوما للكون محض إنساني.
*طاغور :لايمكنه أن يعرف مفهوما آخر. يمثل هذا العالم عالما إنسانيا،وجهة نظر العلم،بمثابة أيضا وجهة نظر رجل العلم.قاعدة تتأتى من العقل وكذا المتعة التي تمنحه إياها الحقيقة،إنها معيار الإنسان الأبدي وقد رَشَحت تجاربه من خلال تجاربنا.
*أينشتاين :هذا تحقق للجوهر الإنساني.
*طاغور : نعم،جوهر أبدي.يجب أن نتحقق من خلال عواطفنا وكذا أنشطتنا.لقد أبدعنا نتيجة قيودنا إنسانا أعلى لايعرف معنى لنهاية ذاتية.يتجاوز اشتغال العلمحدود الأفراد؛إنه العالم الإنساني لحقائق غير شخصية.ينجز الدين هذه الحقائق ثم يصلها بحاجاتنا الأكثر عمقا؛يكسب وعينا الفردي بالحقيقة،دلالة كلية.يطبق الدين القيم على الحقيقة،وندرك بأنها حقيقة جيدة بفضل تناغمنا الذاتي معها.
* أينشتاين :ليست مستقلة الحقيقة أو الجمال عن الإنسان.
*طاغور : بالتأكيد!
*أينشتاين :إذن في حالة انعدام كائنات بشرية،فلن يكون قط أبولو بيلفيديرأكثر جمالا.
* طاغور : بالتأكيد!
* أينشتاين :أنا متفق بخصوص هذا المفهوم للجمال،وليس فيما يتعلق بالحقيقة.
*طاغور : لِما!فقد تحققت الحقيقة بفضل الإنسان.
*أينشتاين :لايمكنني البرهنة على أن مفهومي جيد،بل ديانتي.
*طاغور :يكمن الجمال في المثال الأعلى للتناغم المطلق المتمثل في الوجود الكلي؛ حقيقة الفهم التام للفكر الكوني.نقترب من الأفراد مستندين إلى أخطائنا الذاتية و زلاتنا، وتجاربنا المتراكمة، وكذا وعينا المشرق وإلا كيف بوسعنا اكتشاف الحقيقة؟
*أينشتاين :لايمكنني التدليل علميا بأنه يلزم تصميم الحقيقة باعتبارها حقيقة مقبولة مستقلة عن الإنساني؛رغم إيماني الجازم بهذا التصور.أعتقد، مثلا،بأن نظرية فيتاغوراس الهندسية أقرَّت شيئا صحيحا،بصرف النظر عن الوجود الإنساني.مهما يكن،فإن وُجدت حقيقة مستقلة عن الإنسان،فهناك أيضا أخرى قياسا لهذا المعطى الواقعي؛ثم على ذات المنوال،ينتج رفض الأول رفضا لوجود الثانية.
*طاغور :الحقيقة،انطلاقا من مماثلتها للوجود الكلي،يلزمها بالضرورة أن تكون إنسانية،وإلا فكل مايحققه الأفراد مهما جاء صحيحا لايمكننا قط وصفه بكونه حقيقة،على الأقل الحقيقة التي صُنِّفت علمية، لايتم النفاذ إليها عبر مسار منطقي،بمعنى ثان،عن طريق جهاز فكري إنساني.أقصد براهمان حسب الفلسفة الهندية، أو الحقيقة المطلقة،غير القابلة للإدراك سواء بإبعاد فكر الشخص أو مجرد وصف بالكلمات،بل تتجلى حينما يتحقق انصهار مطلق للإنسان بين طيات لانهائيته.بيد أن حقيقة من هذا القبيل لايمكنها الانتماء إلى العلم.طبيعة الحقيقة التي نتكلم عنها تعكس جانبا،أو مابدى وفاؤه للفكر الإنساني وبالتالي إنساني،ربما يسمى مايا أو الوهم.
*أينشتاين : إذن، بحسب تصوركم،الذي قد يكون تصورا هنديا،لايتعلق الأمر بوهم الفرد،بل الإنسانية جمعاء.
*طاغور:تنتمي أيضا الأنواع إلى وحدة الإنسانية.بالتالي،يدرك كل فكر إنساني الحقيقة؛بحيث يلتقي الفكر الهندي أو الأوروبي عند تحقق مشترك.
*أينشتاين :تشير الألمانية بكلمة نوع إلى مختلف الكائنات الإنسانية،بل وتندرج ضمن ذلك القردة والضفادع.
*طاغور :ننتقل في العلوم،عبر هذا التمرين كي نستبعد الحدود الذاتية لعقولنا الشخصية ثم نتمثَّل فهم الحقيقة الكامنة ضمن الفكر الإنساني الكلي.
*أينشتاين : يبدأ المشكل إن كانت الحقيقة مستقلة عن وعينا.
*طاغور :يوجد مانسميه حقيقة داخل إطار التناغم العقلاني بين الجوانب الذاتية والموضوعية للمعطى الواقعي، بحيث ينتمي الاثنان إلى الإنسان المتسامي فوق الشخصي.
*أينشتاين : أيضا بخصوص وقائع حياتنا اليومية نحس بضرورة إسناد حقيقة مستقلة للإنسان حيال الأشياء المستعملة.نقوم بهذا كي نربط ثانية التجارب مع حواسنا بكيفية معقولة.مثلا،حتى في حالة انعدام وجود أيّ شخص داخل المنزل،تظل دائما اللوحة عند مكانها.
*طاغور :نعم،تظل خارج الفكر الفردي،وليس الفكر الكلي.فاللوحة التي ألاحظها سيدركها وعي آخر يشبه الوعي الذي أمتلكه.
*أينشتاين:وإن غاب الجميع عن المنزل،فالطاولة موجودة رغم ذلك لكن هذا لاقيمة له حسب وجهة نظركم،لأنه لايمكننا تفسير دلالة حضور الطاولة،باستقلال عنا.وجهة نظرنا الطبيعية فيما يخص وجود الحقيقة خارج الإنساني،لايمكن شرحها أو البرهنة عليها،لكن يقوم اعتقاد لايمكن لأيّ شخص نسيانه،حتى الكائنات البدائية.نساهم في حقيقة موضوعية الإنسان الأعلى؛من الجوهري بالنسبة إلينا أن تكون هذه الحقيقة مستقلة عن وجودنا وتجربتنا وكذا فكرنا،حتى ولو لم نتمكن من فهم دلالتها.
*طاغور :لقد أثبت العلم بأن الطاولة كجسم صلب بمثابة شكل خارجي،لذلك مايدركه الذهن البشري كطاولة لن يوجد في حالة انتفاء هذا الذهن.في نفس الوقت،ينبغي الإقرار بأن حقيقة فيزيائية نهائية،لاتمثل شيئا،بل عددا وافرا من التذبذبات تفصل بينها قوة كهربائية تنتمي أيضا إلى الذهن البشري.بخصوصاستيعاب الحقيقة،هناك نزاع أبدي بين الذهن البشري الكلي،ثم نفس الفكر المتاخم للفرد.مسار التوفيق متواصل بين العلم،الفلسفة، الإيتيقا…عموما،إذا كانت هناك حقيقة مطلقة، فلاعلاقة لها بالنسبة لنا مع الإنساني،فهي مطلقا غير موجودة.فليس صعبا تخيّل ذهن لاتجري الأشياء لديه داخل المكان،لكن فقط في الزمان مثل متتالية علامات موسيقية.بالنسبة لفكر من هذا القبيل،يقترب مفهومه عن الحقيقي من الحقيقة الموسيقية والتي بالنسبة إليها فلامعنى لهندسة فيتاغوراس.إنها حقيقة ورق، مختلفة جدا عن الحقيقة الأدبية.فيما يتعلق بفكر تسكنه العثَة التي تقضم الورق،فالأدب غير موجود مطلقا،لكن بالنسبة لذهن الإنسان يحظى الأدب بقيمة أكبر على مستوى الحقيقة من الورقة نفسها.بكيفية مماثلة،إذا أمكنه بلورة حقيقة معينة لاصلة لها بحواسه أو عقلانية في تصور الذهن البشري،ستظل دائما كما لو غير موجودة قدر استمرارنا ككائنات بشرية.
*أينشتاين :إذن لستُ متدينا أكثر منكم !
*طاغور :تتجلى ديانتي في أن يتقارب داخل وجودي الذاتي،الإنسان المتسامي فوق الشخصي وكذا الفكر الإنساني الكلي.
*مرجع الحوار :
Dandajean :24 Aout 2017.