فيما خصص مطار فرانكفورت لعماله المسلمين أماكن للصلاة رفض مستشار ضريبي ألماني في رسالة بصريح العِبارة قبول مسلمة للعمل لديه لأنها محجبة ولا يزال رفض التنوع الديني أحيانا عائقا في سوق العمل الألمانية، خاصة بالنسبة للمسلمات والمسلمين وذوي الأصول المهاجرة. الصحفي الألماني مارتين ليشتابه والتفاصيل.
الألمانية من أصول تركية هلال أَكْدِنيز لا تحبُّ أن تتذكَّر عملها المؤقَّت في مركز اتصالات يملكه مدير أصول في مدينة فرانكفورت الألمانية. فبعد أيَّام قليلة من بدئها العمل تم استدعاء هلال أكدنيز -التي كانت طالبة في ذلك الوقت- من أجل الحديث مع رئيسها، وكان رجاؤه أن تختار لنفسها اسمًا مختلفًا أثناء ردّها على المكالمات الهاتفية: مثل مولَر أو مايَر أو شميت – أي اسم المهم أن يبدو اسمها ألمانيًا، وقال لها إنَّ اسمها التركي قد يُخيف الزبائن.
وحول ذلك تقول هلال أكدنيز البالغة من العمر اليوم واحدًا وأربعين عامًا: “لقد حرمني ذلك جزءًا من هوَّيتي”، فهي -بحسب تعبيرها- في آخر المطاف مواطنة ألمانية، وُلِدَت ونشأت ودرست في ألمانيا ولكن مع ذلك تم الإيعاز لها بعدم استخدام اسمها الحقيقي أثناء المكالمات الهاتفية.
وهلال أكدنيز ليست الوحيدة التي عاشت مثل تجاربها هذه، فالنساء الحاملات أسماء تركية أو المحجَّبات يواجهن صعوبات بشكل خاص أثناء إجراءات التقدُّم لوظيفة، وبحسب دراسة أجراها معهد اقتصاديات العمل (IZA) في مدينة بون الألمانية فإنَّ هؤلاء النساء يضطررن في المتوسط إلى تقديم أربعة أضعاف طلبات العمل التي تقدِّمها النساء غير المسلمات لإجراء مقابلة من أجل توظيفهن، حتى لو كانت لديهن نفس المؤهلات.
وحتى أنَّ بعضهن يواجهن معاداة صريحة: فقد حكمت في شهر كانون الأوَّل/ديسمبر 2019 محكمة العمل في ولاية راينلاند-بفالتس الألمانية بدفع تعويض لأم وحيدة كانت قد تقدَّمت بطلب للحصول على فرصة تدريب مهني لدى مستشار ضريبي بعد أن تركت دراستها الجامعية، فقد كان ظهورها وهي محجبة -في صورتها المرفقة بطلبها- هو سبب رفض المستشار الضريبي طلبها.
وقد كتب لها هذا عن سبب رفض طلبها: “أعتقد أنَّ طلبك لم يكن على الأرجح مقصودًا بشكل جاد تمامًا وأنَّك على الأرجح قمت فقط بصياغة هذه الرسالة كمبرِّر حتى تثبتين بذلك لمكتب العمل أنَّك بذلت جهدًا لكي تحصلي على إعانة العاطلين عن العمل رقم اثنين”، أي لمن استنفدوا جهدهم في البحث عن عمل دون جدوى. وأضاف: “إنْ كنت تريدين في الحقيقة أن تكتبي في المستقبل طلبًا يمكن أخذه على محمل الجدّ فاستغني عن ’زينة‘ رأسك هذه”.
من المحتمل أنَّ مثل حالات العداء هذه فردية، ولكن يبدو أنَّ كثيرين من أرباب العمل يعتبرون – على الأقل من دون وعيهم – الانتماء الديني معيارًا مهمًا عند اختيارهم موظفيهم. وحول ذلك تقول ياسمين المنوار، وهي باحثة في الدراسات الإسلامية ورئيسة المرصد الديني في مؤسَّسة برتلسمان: “يربط الكثيرون من أرباب العمل الإسلام أوَّلًا بخطر ونزاعات محتملة لدى الموظفين”. وتضيف أنَّ هذا يمنعهم من توظيف موظفين مسلمين، ويؤثِّر تأثيرًا سلبيًا على العاملين المسلمين: فقد كشف استطلاع أجرته على مستوى الاتحاد الأوروبي الوكالة الأوروبية للحقوق الأساسية عن أنَّ سبعة وعشرين في المائة منهم أفادوا بتعرُّضهم لتمييز منتظم في مكان العمل.
التسامح الديني مفيد ليس فقط للموظفين المسلمين وحدهم
ولكن لماذا يواجه المسلمون الباحثون عن عمل مثل هذا الوضع الصعب؟ تقول ياسمين المنوار: “يعاني الإسلام من مشكلة في صورته”، فالتقارير حول الإرهاب الإسلاموي وانتهاكات حقوق الإنسان تؤثر على مدى إدراك الرأي العام لصورة الإسلام. وهذا يظهر أيضًا في العمل، مثلما تقول ياسمين المنوار: “بعض الناس في رؤوسهم صور لا علاقة لها بالواقع”. ولهذا السبب يجب على الشركات أن تقوم قبل كلِّ شيء بتوعية موظفيها وتخلق لديهم شفافية، وخاصةً لدى الشركات، التي تجتمع فيها العديد من الطوائف الدينية.
على سبيل المثال في مطار فرانكفورت -الذي يعمل فيه نحو واحد وثمانين ألف موظف من ثمانٍ وثمانين دولة- توجد عشر غرف للصلاة يستطيع فيها المسلمون والمسيحيون واليهود أداء صلواتهم. وكذلك أنشأت شركة المطار محاريب صغيرة للصلاة في المباني الأمامية من أجل العمال المسلمين العاملين بشكل رئيسي في الخارج على المَدْرَج.
وحول ذلك يقول كريستيان مايَر، وهو مدير التنوُّع في شركة فرابورت المُشغِّلة للمطار: “نحن نسمح لموظفينا أداء الصلاة، ولكن الأولوية لسير العمل بسلاسة ومن دون صعوبات”. تقيم شركة فرابورت منذ سنوات خلال شهر رمضان بوفيهات طعام كبيرة في قاعة المناسبات، حيث يستطيع المسلمون الصائمون الإفطار سويةً بعد غروب الشمس.
وهذه الإجراءات مفيدة ليس للموظفين المسلمين وحدهم فقط، وفي هذا الصدد يقول كريستيان مايَر: “أعتقد أنَّ موظفينا أكثر حماسًا وتوازنًا من الموظفين في أي مكان آخر”، ويضيف أنَّ هذا يوثر بشكل إيجابي على الأداء وأنَّ المسافرين القادمين من جميع أنحاء العالم يتوقعون من أي مطار دولي وجود عروض مناسبة أيضًا، ولذلك من شأن التسامح الديني أن يكون عاملًا اقتصاديًا أيضًا.
وتنظر ياسمين المنوار من مؤسَّسة برتلسمان إلى ذلك نظرة مماثلة، وتقول: “يلعب التنوُّع الديني دورًا مهمًا للغاية عند البحث عن كوادر فنية من دول الخارج”، وترى أن على أرباب العمل اتخاذ موقف واضح وترسيخ التنوُّع الديني في بيان مهام الشركة واستراتيجيتها.
لقد كان التسامح الديني عاملاً مهمًا بالنسبة لهلال أكدنيز أيضًا في اختيارها المهني، فقد استقالت من وظيفتها المؤقَّتة في مركز الاتصالات بعد أسابيع قليلة من بدئها العمل فيه. وبعد إنهائها الثانوية العامة، درست علم اجتماع وعملت كباحثة مساعدة في جامعة غوته في مدينة فرانكفورت، ولكنها عانت هناك أيضًا من حالات العداء، ففي برنامج تعليمي كانت تُديره طلب منها أحد الطلاب أن تخلع حجابها وقال إنَّه يشعر بالانزعاج منه.
تقول هلال أكدنيز: “في البداية كنت مندهشة تمامًا، ولكنني بطبيعة الحال حافظت على حجابي”، وها هي أصبحت تعمل في مؤسَّسة إسلامية في برلين وتقول إنَّ إحدى مزايا عملها بين زملائها المسلمين هناك: “لم أعد مضطرة الآن عندما نخرج سويةً من أجل تناول الطعام إلى أن أشرح كلَّ مرة لماذا لا آكل لحم الخنزير أو لا أشرب الكحول”.
مارتين ليشتابه
ترجمة: رائد الباش