أرشيف المراكشية
كيف كانت مراكش قبل مائة سنة ؟ ماذا كان أسلوب سكانها في العيش قبيل دخول الحماية الفرنسيةi ؟ كيف كان حال مكتباتها و مدارسها العلمية ؟كيف أدرك زوارها من الأجانب الأروبيين خصوصيتها العمرانية ؟ كيف فسروا طبع البهجة و الانشراح الذي ميز ساكنتها حينها ؟ كيف كانت علاقةالسكان بالثقافة و العلوم في بداية القرن العشرين ؟
يشكل كتاب غاستون دوفردان « تاريخ مراكش من التأسيس إلى الحماية « الذي ترجمه الأستاذان محمد الزكراوي و خالد المعزوزي عن منشوراتوزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية ، نزهة شيقة في حديقة هذه الأسئلة، التي نقترح على القارئ بعضا من الأجوبة التي يقدمها دوفردان عنها .
و عرف المراكشيون غاستون دوفردان المزداد سنة 1906 ناظرا ثم مديرا لثانوية محمد الخامس بباب اغمات في عهد الحماية، و كان انشغالهالأساسي هو البحث و التقصي في تاريخ مدينة مراكش و من خلاله تاريخ المغرب ، مخلفا عملين هامين أولهما الكتاب موضوع حديثنا، والثاني كتاب« النقوش العربية بمراكش « و توفي الرجل عن سن 73 سنة في عام 1979
خراب تتقزز منه النفس
يقدم غاستون دوفردان في كتابه وصفا لمراكش في نهاية القرن التاسع عشر، من خلال ما نقلته شهادات زوارها من الأجانب ، الذين يُجمعون علىأنها كانت (و ربما مازالت إلى يومنا هذا) فوضى كبيرة يعمها الخراب و الاتساخ و الإهمال . و رغم أن دوفردان ينبه إلى أن شهادات هؤلاء الأجانب قد تكون ضحية ما توحي بها العمارة الطينية التي كانت تسود مراكش حينها ، إلا أنه يعود ليقر أن ظاهرها ـ أي مراكش ـ مغموم و متكدر .
هذاالنص الذي نقترحه على القارئ ، و المقتبس من الصفحتين 662 و 663 من الجزء الثاني من الكتاب المذكور ـ يصلح كثيرا لمقارنة ماضي المدينة بحاضرها و قياس مدى الفارق الحضاري الفعلي الذي حققته بعد مائتي سنة . يقول دوفردان :
ليس هناك من زائر واحد لمراكش لم يذهل لحالة الفوضى و التسيب التي عرفتها، سواء كان الزائر سفيرا أو تاجرا أو سائقا أو ضابطا أو غيره، فقدأجمعت النصوص كلها على ملاحظة الخراب و الدور المهجورة و الأحياء الميتة و الأسوار المنقضة. و قد جاش من أجل ذلك خاطر الشعراء . و أخبر « شيني « أن داخل هذه العاصمة قفر مهجور ، تراكمت به خرابات البيوت بعضها على بعض حتى تكونت بين الأكداس أودية يترصد فيها الصعاليك وقطاع الطرق المارة لنهبهم .
و بعد عشرين سنة أضاف «رينال « : « لقد استطاع سيدي محمد بن عبد الله أن ينزع بعض الردم و يزين بعض البساتين بتهيئة مماشي بينأشجار البرتقال، و يحول بعض البنايات الخربة إلى ثكنات، لكنه عجز عن رد الحضرة إلى سالف مجدها و سابق عهدها، و لن يستطيع أحد ممنسيخلفونه « . و وصف علي باي سنة 1804 المدينة بقوله : « لم يبق من سالف أبهتها إلا خيال .. و لم تنج من عوادي الزمان و عبث يد الإنسان إلاالأسوار « .
و في سنة 1830 لاحظ واشنطن أن بعض الأحياء خاوية على عروشها .. و أن الأعشاب النامية بها تحاذي ، في تناقض صارخ، ما يتراءى من خرابأسوارها» . و شهد لمبير في سنة 1867 بأن الأسوار نفسها تتصدع، فصار الراجل يمر من شقوقها بسهولة عندما تقفل الأبواب . و أمست الكتبيةمنعزلة عن المدينة، حتى أن الطريق المؤدي إليها صار اسما علما (يسمونه الطْريق) . أما الانجليزيان هوكر و بال فيبالغان بلا شك عندما يصرحان في1879 بأنهما مع كونهما مسافرين طاعنين في السن، و رغم استئناسهما بوسخ مدن الشرق، فإنهما يتفقان على أنهما لم يتصورا أبدا مدينة كبيرةعلى هذا القدر من الدرن : فهي مدينة وسخة تتقزز منها النفس، و تعبر بغاية الوضوح عن تدني كرامة الإنسان .
و في سنة 1879 لاحظ الضابط الفرنسي إركمان أن الأسوار بلغ منها الإهمال أن بقيت بدون صيانة، و يمكن تسلقها دون عناء. أما الإيطالي كريما،و قد زار مراكش سنة 1882 فلم ير بها شيئا سوى الخراب، رغم تجواله عبر دروب عديدة بالمدينة. و أما هورفتس الألماني، فيؤكد تهافت الأسوار سنة1887، و يسمي هنري دي لا مرتينيز مراكش « مدينة الأطلال « .