بقلم أحمد جزولي
تابعت النقاشات التي دارت بين عدد من أساتذة وطلبة الطب وبعض الأسر في موضوع سنوات التدريس. وبغض النظر عن موضوع الإضراب ومدى أهميته كأداة للحسم في الموضوع، وأي الرأيين سيفوز.
أقول إن موضوع سنوات التدريس يجب أن يراجع في كافة التخصصات والأسلاك، ليس فقط في المغرب بل في العالم، بحكم أن ما كنا نتعلمه في شهور سابقا، يمكن تعلمه في أيام اليوم، بحكم انتشار أدوات تسريع التعلم بين المعلمين والمتعلمين على السواء.
وهذا التسريع صار مطلوبا أينما كنا وكيفما كان التخصص، لأن الولوج إلى المعلومة صار أسهل، وطرق التلقين والتجريب أصبحت أكثر يسرا. والعمل الذي كان المرء يقضي فيه أياما أصبح يقضي فيه ساعات فقط.
إذا كان الوقت المخصص لتقديم كل درس أو محاضرة في السابق يحتاج إلى ساعة مثلا، فاليوم قد نحتاج لوقت أقل إذا استعملنا وسائل التكنولوجيا الحديثة، إذ لن نحتاج مثلا للكتابة على السبورة التي تأخذ من المدرسين وقتا ليس بالهين. إذن، قد نختصر كل ساعة تدريس إلى 45 دقيقة، مما يجعل تدريس 6 ساعات في اليوم، يوفر لنا ساعة ونصف يوميا (90 دقيقة).
وكذلك الأمر بالنسبة لاستعمال المقالات والكتب في الإعداد للدروس والبحوث والإعداد للتجارب في المختبرات. اليوم، أصبحت المعلومة أكثر يسرا. وما كان يقضيه الطالب سابقا في البحث عن المعلومات، صار اليوم أقل بكثير.
ربما أن جيل الأمس الذي عاش ندرة المعلومة وصعوبة الحصول على كتاب، يستطيع أن يقدر حجم سهولة الولوج للمعلومة اليوم، وأكيد أن الغد سيضمن ولوجا أكبر.
أما استعمال الكمبيوتر في الكتابة عوض القلم، فهذا ثورة اختصرت الوقت بشكل مذهل فعلا. وما كنا نحتاج لكتابته في ساعة، قد صرنا نكتبه في عشر دقائق بالكثير.
ألا يستحق كل هذا أن ننخرط في عملية عامة للتقليص من سنوات التدريس، وربما المرور بشكل كامل في التعليم والتكوين من منطق السنوات إلى منطق الوحدات. وبالنسبة للشهادات، علينا أن نحدد الوحدات المطلوبة ومن فاز بها بسرعة له ذلك (دون حد أدنى)، ومن أراد أن يتباطأ (بحد أقصى) فله ذلك.
إذا كان التعليم العالي أسهل، اليوم، من الناحية اللوجستيكية لتقليص سنوات التدريس نظرا لسهولة تنظيم الامتحانات على مدار السنة، فلماذا لا يتم التفكير في اعتماد المسألة على مستوى الإعدادي والثانوي، علما أن في التجربة المغربية، كثيرا ما كانت هيئات التدريس تمنح التلاميذ النوابغ فرصة الانتقال المباشر إلى مستويات أعلى (ما يسمى بالقفز عن السنوات)، وكثيرا ما كان هذا محط إشادة من طرف الجميع (إدارة، طاقم تربوي، أسر).
واليوم، هناك حالة ذكاء جماعي تتطور تجتمع التكنولوجيات الحديثة والمجهود البشري في إنتاجها. ألا يستحق هذا تنظيما يسمح بالاستفادة من فرص المرحلة وأولها تقليص سنوات التدريس التي ستمكن الخريجين من الالتحاق المبكر بسوق الشغل.
يتحدث الكثيرون عن احتمال عدم الاعتراف الدولي بالشهادات إن تم تقليص سنوات التدريس. هذا موضوع مهم بكل تأكيد، لكن أغلب الدول المتقدمة سلكت هذا المنحى منذ عقود ومن بينها دول أنجلوسكسونية. ومن المؤكد أن الدول الفرنكوفونية الجادة والمتحررة ستتبع بسرعة.
سيحسب لنا إن أبدعنا وتقدمنا، لكن الأهم هو ضمان جودة التعليم والتكوين من خلال جودة المخرجات التي يجب أن تترجم في قوة المهارات المكتسبة في مختلف التخصصات، وهذه تقاس بمدى ضمانها لصاحبها موقعا في سوق الشغل أو في مجال الأعمال وفي حياة المجتمع.
أما سنوات التدريس التي تحدد قيمة شهادة معينة، فهذه أسطورة نظام تعليمي معين، ولقد آن الأوان لتجاوزها وعلينا أن نفكر ولو قليلا خارج الصندوق والأفكار الجاهزة قبل فوات الأوان.
المقالة على حائط الفايسبوك: